تطرح الحكومات في كل عام خطط مالية يوضح بها الإيرادات العامة المتوقع تحصيلها خلال العام القادم والنفقات المحتمل تكبدها خلال العام نفسه، وتقوم بتقسيم هذه النفقات إلى العديد من الأقسام بناءً على الهدف الذي سيتم دفع النفقات لأجله، ولكن في الظروف الاستثنائية - كجائحة كورونا مثلاً- يكون من الصعب جداً أو من المستحيل أن تتوقع النفقات التي سيتم تكبدها، ولذلك فإذا طرأ وضع استثنائيّ قد تحتاج الدولة إلى الاستعانة بالقروض لتسديد هذه النفقات أَو قد تقوم بإلغاء إنفاق التجهيز وتولي الاهتمام الأكبر بإنفاق التسيير، وفي ظروف استثنائيّة أخرى تقوم الدول بتقليل الإنفاق إلى حد كبير وفرض ضرائب إضافيّة،[١] فلماذا تقوم الدول ببعض الظروف الاستثنائيّة بزيادة الإنفاق وفي بعض الظروف الأخرى تقلل هذا الإنفاق؟ وما أثر زيادة الإنفاق أو تقليله على اقتصاد الدولة؟

وللإجابة على هذه الأسئلة يتعين علينا دراسة الغاية المراد تحقيقها من هذا الإنفاق ومعرفة الأثر الاقتصاديّ الناجم عنه.


ما الآثار الاقتصادية للنفقات العامة؟

يتم الإنفاق العام من خلال أدوات السياسة الماليّة أو أدوات السياسة النقديّة، ففي السياسة الماليّة تقوم الدولة بالإنفاق المباشر كبدلات التعطّل أو الإنفاق على المتقاعدين أو على الأسر التي لا يزيد مجموع دخلها عن مبلغ معين أو غير المباشر كدعم السلع والخدمات وغيرها من النفقات المباشرة أو غير المباشرة، ويتم تمويل هذا الإنفاق من خلال أدوات السياسة النقديّة عن طريق طباعة الأوراق النقديّة مثلاً، أو شراء السندات في السوق الماليّ المحليّ، وإذا تمَّ هذا الإنفاق بطريقة مدروسة مع عدم حدوث ظروف استثنائيّة يأخذ هذا الإنفاق منحى إيجابيًا في تحقيق النمو الاقتصاديّ أو المحافظة على الاستقرار الاقتصاديّ، ولكنَّ زيادة الإنفاق أو تقليله بشكل غير مدروس قد يؤدّي إلى حدوث آثار اقتصاديّة سلبيّة كثيرة، وفيما يأتي أهم هذه الآثار الاقتصاديّة:[٢]


ارتفاع أسعار الفائدة

تؤدي الزيادة في الإنفاق العام عن طريق إصدّار سندات لتمويل الإنفاق من القروض المحليّة إلى زيادة أسعار الفائدة؛ لأنَّ المستثمرين سيقومون بالاستثمار عن طريق شراء السندات الحكوميّة لأنَّها مضمونة السداد وعند زيادة الحاجة إلى مبالغ إضافيّة لتمويل الإنفاق العام مرةً أخرى عن طريق السندات ستصبح أسعار الفائدة المطروحة غير جاذبة للاستثمار فتقوم الحكومة بزيادة نسبة الفائدة المدفوعة لجذب المستثمرين لشراء هذه السندات، وعند ازدياد أسعار الفائدة المدفوعة على هذه السندات سيتجه جميع المستثمرين لتمويل السندات الحكوميّة فتضطر البنوك والقطاع الخاص بطرح أسعار فائدة توازي أو تزيد عن السندات الحكوميّة لتقنع العملاء بشرائها، فترتفع أسعار الفائدة بالسوق لهذا السبب.[٣]


مزاحمة القطاع الخاص

عندما يكون الإنفاق العام موجهًا لإنشاء مشروع استثماريّ مثلاً أو لأيّ سبب آخر وتم هذا التمويل عن طريق السندات كما في النقطة السابقة فإنَّ أسعار الفوائد سترتفع وستميل المؤسسات الماليّة لمنح الحكومة هذا التمويل عن طريق شراء هذه السندات فإذا أراد أيّ عميل أن يطلب تمويلًا من هذه المؤسسة فستفرض عليه أسعار فائدة أعلى من الأسعار الممنوحة على السندات الحكومية لتستطيع منحه هذا التمويل، فيعزف أصحاب القطاع الخاص عن طلب الحصول على التمويلات لتنمية مشاريعهم أو إنشاء أيّ مشروع لارتفاع تكلفة الحصول على التمويل، وبالتالي ستتجه معظم التمويلات للقطاع الحكوميّ وستصبح بذلك مزاحمة للقطاع الخاص في قطاع الاستثمار.[٢]


تعريض العملة الوطنية لمخاطر نزول القيمة

تموّل الدولة الإنفاق العام بطباعة الأوراق النقديّة التي ستزداد أعدادها في السوق نتيجة هذا التمويل وبالتالي ستصبح معرّضة لانخفاض قيمتها لأنَّه سيترتب على الأفراد دفع المزيد من الأمول للحصول على سلعة معينة كانت بسعر أقل فيما مضى وستقل القوة الشرائيّة للعملة مما يؤدّي إلى حدوث حالة من التضخم الحاد جداً الذي سيؤثر على أسعار جميع السلع والخدمات بشكل مستمرّ ومرتفع.[٣]


الدخول في حالات الركود أو التضخم

إنَّ زيادة الإنفاق بطريقة غير مدروسة ستؤدّي إلى دخول البلد في حالة تضخم بسبب كمية النقود الكبيرة المطروحة في الأسواق مع عدم وجود ما يقابلها من السلع والخدمات بشكل يتناسب مع أعدادها وبالتالي سترتفع جميع أسعار السلع والخدمات بسبب امتلاك الأفراد مقدارًا أكبر من النقود وزيادة قدرتهم على دفع مبالغ معينة للحصول على خدمة معينة ولو كانت بسعر أعلى.


كما يمكن أن يؤدّي الإنفاق على قطاعات معينة إلى الركود كالقطاع العسكريّ في حالات الحرب مثلاً، فإذا تم تمويل هذا الإنفاق عن طريق الديون الدخليّة وسحب السيولة المتوفرة بالسوق عن طريق السندات الحكومية ستنخفض أعداد النقود في السوق وتتكدس البضائع والسلع لعدم وجود سيولة وقدرة شرائية لدى الأفراد مما يؤدّي إلى دخولها في حالة ركود أو كساد إذا تفاقمت هذه المشكلة لوقت طويل.[٢]


المراجع

  1. Shawn Grimsley (20/9/2013), "How Fiscal Policy and Monetary Policy Affect the Economy", study, Retrieved 30/9/2021. Edited.
  2. ^ أ ب ت Elearnmarkets (24/9/2021), "How does Government Spending Affect the Economy", elearnmarkets, Retrieved 7/10/2021. Edited.
  3. ^ أ ب MICHAEL SCHMIDT (26/7/2021), "A Look at Fiscal and Monetary Policy", investopedia, Retrieved 30/9/2021. Edited.