ما المقصود بالانكماش المالي؟

يشير مصطلح الانكماش الماليّ Deflation إلى الانخفاض العام في أسعار السلع والخدمات عامةً، ويرتبط الانكماش الماليّ مع ما هو معروض من النقد والادخارات والتأمينات في الاقتصاد، وعند حدوث الانكماش فإنَّ قوة العملة الشرائيّة ترتفع مع مرور الوقت، بحيث يمكنكك شراء كمية أكبر من المنتجات والخدمات غدًا بنفس المبلغ الذي تملكه اليوم في حال حدوث الانكماش.[١]


ما هو مبدأ عمل الانكماش المالي؟

يمكن تفسير الانكماش الماليّ على أنَّه انعكاس لمفهوم التضخم، فحدوث الانكماش يعني أنَّ هنالك إشارةً لحدوث ركود وظروف اقتصاديّة صعبة يمكن أن تحدث، نظرًا لأنَّ الانكماش مرتبط بانخفاض الأسعار الذي سيؤدّي إلى قيام العملاء بتأجيل عمليات الشراء للتمكن من الحصول على الأسعار الأقل لنفس المنتجات، مما يعني أنَّ المنتجين والتجار لن يتمكنوا من بيع ما لديهم، والذي سينعكس على قدرتهم في متابعة الأعمال، مما يستدعي تقليل عدد الموظفين وتقليل حجم المواد الأساسيّة المستخدمة للإنتاج، وبذلك ترتفع معدلات البطالة وأسعار الفائدة وينخفض الإنفاق، مما يقود الدولة إلى عيش انكماش آخر داخل الانكماش الأساسيّ الذي تعاني منها.[١]


ما هي أسباب حدوث الانكماش المالي؟

يرى المختصون الاقتصاديون بأنَّ هناك سببين رئيسين لحدوث الانكماش الماليّ وهما الانخفاض العام في إجمالي الطلب على السلع والخدمات المعروضة، والارتفاع في حجم السلع والخدمات الموجودة في العرض مع انخفاض الطلب عليها، وفي ما يأتي توضيح ألبرز العوامل التي تؤدّي إلى الانخفاض في إجمالي الطلب أو الزيادة في النسبة الإجماليّة للعرض:[٢]


التأثر بالمعروض النقدي

تستخدم البنوك المركزيّة سياسات نقديّة متشددةً مرتبطةً برفع أسعار الفائدة، والتي تؤثر على إنفاق الأشخاص؛ فعِوضًا عن إنفاق الأموال مباشرةً سيفضل الأشخاص ادّخار الأموال للحصول على نسب أعلى من الفائدة، مما سيؤدّي حسب المبادئ الاقتصاديّة إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، والذي سيتبعه انخفاض في مستوى الإنفاق العام للاقتصاد.


التراجع في الثقة الاقتصادية

تتسبب الأحداث السلبيّة التي تحدث في الاقتصاد كالركود مثلًا بانخفاض إجمالي الطلب في السوق على السلع والخدمات، فمن الممكن أن يصبح الناس أكثر تشاؤمًا في ما يتعلّق بالمستقبل الاقتصاديّ للدولة، ممّا سيدفعهم إلى زيادة نسبة الادّخار وتقليل النفقات العامة، مما يعني عدم التشجع للاستثمار والقيام بعمليات الشراء كما هو الحال في السابق، وبالتالي انخفاض نسبة الطلب وارتفاع فرص حدوث الانكماش الماليّ في الدولة.


انخفاض تكاليف الإنتاج

يؤدي الانخفاض في أسعار المواد الخام التي تستخدم في إنتاج المنتجات إلى خفض تكاليف الإنتاج إجمالًا، مما يدفع المنتجين إلى زيادة نسبة الإنتاج الخاصة بهذه المنتجات خوفًا من ارتفاعها مستقبلًا، والذي يقود إلى ارتفاع حجم العرض عليها في الاقتصاد، وفي حال لم تتغير نسبة الطلب سيلجأ المنتجون إلى تقليل الأسعار لإقناع العملاء بشراء هذه المنتجات لعدم دفع تكاليف تخزين عالية هم بغنى عنها.


التطورات التكنولوجية

تؤثر التطورات التكنولوجيّة والتقدم الكبير في تطبيق التقنيات الخاصة بالإنتاج في بيئة العمل والتصنيع إلى رفع معدل العرض للسلع والخدمات في السوق، بحيث تقلل الوسائل التكنولوجيّة من التكاليف التي يقوم بدفعها المنتجين في سبيل إنتاج بعض السلع والخدمات، وقد يصل الأمر إلى إتاحة القدرة لهم على تقليل أعداد الموظفين والتوفير في أجورهم، مما يعني إمكانيّة أكبر لرفع مستويات الإنتاج، وبالتالي انخفاض أسعار السلع والخدمات.


ما هي آثار الانكماش المالي؟

قد لا تتعافى بعض الدول من الآثار التي يتركها الانكماش الماليّ على الاقتصاد، وفي ما يأتي توضيح لبعض هذه الآثار:[٣]


انخفاض الإيرادات الخاصة بالأعمال

تقوم بعض الشركات بتخفيض أسعار منتجاتها للحفاظ على قدرتها التنافسيّة في السوق، والذي سيؤدّي إلى انخفاض عائداتهم، ونظرًا إلى أنَّ الفترات الانكماشيّة تتكرر باستمرار، فإنَّ الشركات ستصبح مقيّدةً بخفض الأسعار لأكثر من مرة وبشكل متزايد، حتى وإن كانت تعمل بجد لتحقيق الأرباح، إلا أنَّها ستبقى تنخفض؛ نظرًا للعلاقة بين السعر والعوائد.


تخفيض الأجور وتسريح الموظفين

تبدأ الإيرادات أو العوائد الخاصة بالشركات بالانخفاض بشكلٍ تدريجيّ، مما يستدعي إيجاد طرق لتقليل حجم النفقات والمصاريف التي تقوم بدفعها، بحيث تعتبر الشركات أنَّ الحل الأمثل لتقليل هذه النفقات هو من خلال تقليل أجور الموظفين الذين يعملون لديها، وأحيانًا يتم تسريح عدد محدد منهم للتخلّص من دفع الأجور لهم نهائيًا، مما يؤدّي بدوره أيضّا إلى زيادة الانكماش الذي سيؤدّي إلى زيادة معدل البطالة، وبالتالي سيصبح حجم الإنفاق العام في الدولة أقل.


التغيرات في سلوك العملاء وإنفاقهم

يمكن اعتبار العلاقة بين الإنفاق الاستهلاكيّ والانكماش علاقةً معقّدةً يصعب غالبًا التنبؤ بها؛ فعندما يواجه الاقتصاد فترات الانكماش يستفيد العملاء من تخفيض الأسعار الذي تقوم به الشركات خلال تلك الفترة، والذي قد يبدو أمرًا مجديًا للشركات خلال بداية الفترة بحيث يمكنها تحقيق أرباح جيّدة، لكن بعد مرور الوقت سيبدأ الأشخاص الذين فقدوا عملهم بتقليل الإنفاق وعمليات الشراء، مما يعني ازدياد الانكماش الماليّ وتأثيره.


الحصول على حصص أقل في الاستثمار

يقوم المستثمر بأخذ الاحتياطات النقديّة عند شعوره بخطورة الحوادث الاقتصاديّة، مما يعني أنَّه سيقوم بتقليل الحصة السوقيّة له في الاقتصاد بسب قلقه من عدم قدرة الشركات على تحقيق الأرباح والعوائد له، لذلك فإنَّه سيتخلّى عن الاستثمار في الأسهم التي يمتلكها وسيبيعها إلى أشخاص آخرين، مما يؤدّي إلى انخفاض قيمة الشركات في السوق، الذي يعني أنَّه سيؤثر مباشرةً على الاقتصاد لينعكس سلبًا على قدرة الدول على الاستمرار في تنمية الأعمال والحفاظ على ديمومتها.


كيفية قياس الانكماش المالي

تلجأ العديد من الدول إلى قياس حجم الانكماش الذي يعاني منه الاقتصاد، لمعرفة مدى التأثر به وما هي الإجراءات المناسبة التي يمكن أن يقوموا بها لحل كافة المشكلات التي تتعبه، بحيث يقوم الاقتصاديون باستخدام المؤشرات الاقتصاديّة لذلك، ومن ضمن هذه المؤشرات:[٤]


مؤشر الأسعار الخاصة بالعملاء

يقوم مؤشر الأسعار (CPI) بتتبع أسعار مجموعة من السلع والخدمات التي تعد مهمةً، ويتم شراؤها بشكل شائع، وقد تتغيّر في كل فترة، فعندما تكون الأسعار الخاصة بالمنتجات التي يتم قياسها أقل من الأسعار في الفترة السابقة عند القيام بالمقارنة، فهذا يعني أنَّ الاقتصاد يعاني من الانكماش، في حين أنَّه إن حدث العكس، فذلك يعني أنَّ الاقتصاد يعاني من التضخم.


أدوات لعلاج مشكلة الانكماش المالي

تقوم الحكومات باتخاذ القرارات اللازمة لمحاولة حل مشكلة الانكماش الماليّ من خلال استخدام العديد من الأدوات، وفي ما يأتي توضيح لأبرز هذه الأدوات:[٥]


تخفيض حجم الاحتياط المصرفي

تقوم بعض الدول المتقدمة كالولايات المتحدة وغيرها بتحديد حجم احتياطيّ محدد من النقود للمصارف أو البنوك إجمالًا، بحيث تستخدم البنوك هذه الودائع لإنشاء القروض الجديدة في حال حدوث أيّة مشكلة، فمثلًا عن كل 100 دولار تمَّ إيداعها في بنوك في الولايات المتحدة الأمريكيّة من الممكن أن يتم إقراض 90 دولاراً منها فقط بينما يُحتفظ في 10 دولارات كاحتياطيّ مستقبليّ، وعند حدوث الانكماش تقوم الحكومات تخفيف نسبة هذه الحدود لتعمل على تحفيز المستثمرين وتحفيز الحصول على القروض منها.


معدلات الفائدة السلبية

بناءً على هذه الطريقة، فإنَّ الأشخاص أو الجهات الذين يقومون بإيداع أموالهم في البنوك لن يقوموا بالحصول على الفائدة الخاصة بودائعهم، بل سيقومون بدفع فائدة للبنوك من أجل الاحتفاظ بأموالهم لديها؛ ففي فترات الانكماش الاقتصاديّ يعتبر الاحتفاظ بالأموال مكلفًا نوعًا ما، مما يعني دعم الاقتصاد والحكومات لحل المشكلات التي تواجههم بطريقة غير مباشر، وتحقيق الاستثمار في الأصول والمشاريع بعوائد إيجابيّة.


زيادة الإنفاق الحكومي

يتوقف الأفراد والشركات عن الإنفاق بسبب الأزمة التي تمرّ بها الدول، وبذلك لن يكون هناك حافز لعمليات الإنتاج والتوظيف وما إلى ذلك، وبناءً عليه يتوجب على الحكومات أن تقوم بالإنفاق لدعم الاقتصاد ورفع المستوى الخاص به أو إعادته لسابق عهده، بحيث تقوم هذه الحكومات بإقراض الأموال لإنفاقها مع تحمّلها للعجز الماليّ الذي ستعاني منه حتى تبدأ الأسعار في الارتفاع مرةً أخرى.


خفض معدلات الضرائب

تقوم الحكومات في حالات الانكماش الماليّ بخفض معدلات الضرائب بنسب معينة، مما يعني أنَّه سيبقى لدى الأفراد والشركات أموال أكثر لإنفاقها، ولكنَّ ذلك قد يشكّل انخفاضًا في معدل الإيرادات الضريبيّة الخاصة بالحكومات، مما قد يجبر الحكومات على تقليص حجم الإنفاق وأحيانًا إلى وقف بعض خدمات العمليات الأساسيّة.


المراجع

  1. ^ أ ب THE INVESTOPEDIA TEAM (30/6/2020), "Deflation", investopedia, Retrieved 20/10/2021. Edited.
  2. "Deflation", corporate finance institute, Retrieved 20/10/2021. Edited.
  3. Brian Martucci (8/7/2021), "What Is Deflation – Definition, Causes & Effects", money crashers, Retrieved 20/10/2021. Edited.
  4. Kate Ashford, John Schmidt (25/8/2021), "What Is Deflation", forbes, Retrieved 20/10/2021. Edited.
  5. ADAM HAYES (25/7/2021), "7 Ways Governments Fight Deflation", investopedia, Retrieved 20/10/2021. Edited.