أثّرت جائحة كورونا على الاقتصاد العالميّ بالكامل، فقد أدّى ذلك إلى حدوث سلسلة من الإغلاقات في جميع القطاعات والمنشآت والذي أدّى بدوره إلى فقدان الناس لوظائفهم ودخول الاقتصاد في حالة انكماش، فكان أمرًا مخيفاً لبرهة من الزمن لأنَّ الجميع لم يعد لديه أيّ مال ليقوم بصرفه لشراء مستلزمات الحياة وضروريّاتها فالجميع قد تعطّل عن العمل ولا يوجد رواتب لشراء الطعام والشراب للبقاء على قيد الحياة، وبالتأكيد استدعى ذلك من الحكومات التدخل سريعًا، لمعالجة حالة الانكماش وتوفير السيولة الداعمة عبر سلسلة من الإجراءات الاقتصاديّة بمبالغ ضخمة في أغلب بلدان العالم الفقيرة منها والغنية، وكانت هذه الإجراءات متطابقةً في العديد من البلدان بغض النظر عن المبالغ المرصودة للإجراءات الاقتصاديّة، وكان على رأس هذه الإجراءات البنوك المركزيّة بأدواتها وسياساتها النقديّة والوزارات الماليّة بأدواتها وسياساتها الماليّة تعمل جنباً إلى جنب لتحقيق أهداف معيّنة في الاقتصاد بأدوات مختلفة،[١] ولذلك ولأهميّة السياسة الماليّة سيشرح هذا المقال أهم البنود المتعلّقة بها.


ما المقصود بالسياسة المالية؟

عند النظر إلى تعريفات السياسة الماليّة Fiscal Policy نراها جميعها متقاربةً إلى حد كبير، وتدور جميعها حول القرارات أو الإجراءات والتدابير التي يتم اتخاذها من قِبل الحكومات أو ما يمثلها مثل وزارة الماليّة للتأثير على الاقتصاد، وخاصةً على ظروف الاقتصاد الكليّ كالبطالة والتضخم والكساد والنمو الاقتصاديّ وغيرها، عن طريق التلاعب بمستويات الإنفاق الحكوميّ ومخصصات ونسب الضرائب، ويتم اتخاذ هذه القرارات بعد دراسة شاملة وعميقة ودقيقة لاقتصاد الدولة من أجل الوصول إلى غاية معيّنة في الاقتصاد أهمّها تحقيق الاستقرار الاقتصاديّ.[٢]


ما هي أدوات السياسة المالية؟

تتحكم وزارة الماليّة بالنيابة عن الحكومة بالسياسة الماليّة فهي التي تقوم بتنفيذها ووضع خطة لها، ويتم ذلك من خلال أدوات معينة تختص بها وزارة الماليّة، وفيما يأتي تفصيل لهذه الأدوات:[٣]


الضرائب Taxes

تكتسب الضرائب أهميّةً كبيرةً في السياسة الماليّة لأنَّ التغييرات في مستويات ونسب الضريبة تؤثر بشكل مباشر على متوسط دخول المستهلكين، والذي يلعب دوراً كبيرًا في تغيّر معدلات استهلاك هؤلاء الأشخاص وصولاً إلى حدوث تغيّرات في الناتج المحليّ الإجماليّ للدولة الذي يعد الاستهلاك أحد بنوده، فتساعد هذه الأموال المكتسبة على شكل ضرائب على أداء الحكومة لوظائفها سواءً أكانت مباشرة أم غير مباشرة والتي تفرض على الأفراد والمؤسسات والسلع والبضائع وما إلى ذلك، ويمكن للحكومة التأثير في الاقتصاد عن طريق الضرائب بعدة طرق، مثل رفع أو خفض معدلات الضرائب الهامشية، أو إلغاء الضرائب بشكل تام، أو إجراء التعديلات اللازمة على القواعد والقوانين الضريبيّة.


الإنفاق الحكومي Government spending

يكتسب الإنفاق الحكوميّ أهميته كأداة من أدوات السياسة الماليّة بسبب تأثيره على الاقتصاد ممثلاً بالناتج المحليّ الإجماليّ الحقيقيّ، وعند تعديل الإنفاق الحكوميّ يمكن للحكومة التأثير على الاقتصاد كاملاً أو التأثير على جزء محدد فيه، ليس هذا وحسب بل إنَّ له أيضًا تأثيراً كبيراً على الشركات التي تتعامل معها الحكومة وتستورد منها المعدات الحكوميّة والسلع والخدمات وغيرها، ويشمل الإنفاق الحكوميّ برامج الرعاية الاجتماعيّة كالضمان الاجتماعي، والرواتب الحكوميّة التي تُنفق على موظفي الدولة، إضافةً إلى الإعانات التي يتم الحصول عليها من قِبل شريحة معيّنة من المجتمع، والإنفاقات التي تتم على البنية التحتيّة للدولة لإنشائها وتطويرها، حيث يستخدم الإنفاق الحكوميّ كأداة للسياسة الماليّة لدفع الأموال إلى قطاعات معينة تحتاج إلى دفعة اقتصاديّة لتقوم بمهامها وتتعافى من مشكلة معيّنة أو لتحفيزها، وبالتالي فإنَّ الحكومة تأمل من هذا الإنفاق الذي قامت به أن يقوم الناس بزيادة الاستهلاك لدعم نمو الناتج المحليّ الإجماليّ للدولة.


ما هي أنواع السياسة المالية؟

وهنالك نوعان للسياسة المالية، هما السياسة المالية التوسعية والسياسة المالية الانكماشية، وستم توضيحهما على النحو التالي: [٤]


السياسة المالية التوسعية Expansionary Policies

ويتم استخدام هذا النوع من السياسات في حالات الركود الاقتصاديّ والكساد وعند ازدياد نسب البطالة وحدوث تباطؤ في النمو الاقتصاديّ، ويسمى توسعياً لأنَّه يستلزم من الحكومة أن تتوسع في إنفاق المزيد من الأموال وخفض الضرائب أو كلاهما، ويهدف هذا النوع من السياسة الماليّة إلى وضع المزيد من الأموال في أيدي المستهلكين حتى ينفقوا أكثر ويحفزوا الاقتصاد على النمو لضمان عدم إضعاف القوّة الشرائيّة للمستهلكين، وبشرح أدق، فإنَّ الهدف من السياسة الماليّة التوسعية هو تعزيز الطلب الكليّ في الحالات التي ينخفض ​​فيها الطلب الخاص.


الضرائب

وبالنسبة للضرائب، فعندما تقوم الحكومة بتقليل نسبها فهي توفر مبالغ أكبر لدى الأفراد لإنفاقها، فهم يدفعون في هذه الحالة ضرائب بشكل أقل من السابق، فيقومون بزيادة الاستثمار والإنفاق ممّا يساهم في زيادة الطلب، ويقود هذا الطلب الشركات إلى توظيف المزيد من العاملين لتلبية الطلب على السلع والخدمات الأمر الذي يؤدي إلى خفض مستويات البطالة وزيادة الأجور وتزويد المستهلكين بمزيد من الرواتب للإنفاق والاستثمار.


الإنفاق

وأمّا بالنسبة للإنفاق فهو يتبع نفس المبدأ فعند قيام الحكومة بزيادة إنفاقها على الأفراد من خلال الإنفاق المباشر كالإعانات وبدلات التعطّل ورواتب التقاعد وغيرها، فإنَّ هذا سيزيد من كمية الأموال لدى المستهلكين الذي تأمل الحكومة منهم زيادة الإنفاق وبالتالي زيادة الاستهلاك وحفز الاقتصاد، أو عن طريق إنفاق غير مباشر على الأفراد من خلال زيادة دعم السلع المحليّة وشرائها لتقوم الشركات بكسب المزيد من الأرباح وتوظيف المزيد من الأشخاص وتقليل معدلات البطالة وزيادة الأجور وأخيرًا زيادة الناتج المحليّ الإجماليّ.


السياسة المالية الانكماشية Contractionary Policies

ويتم استخدام هذا النوع من السياسة الماليّة في حالات معينة لإبطاء النمو الاقتصاديّ، الذي أدى إلى نمو في التضخم وزيادة في الأسعار بشكل كبير، فعلى عكس السياسة الماليّة التوسعيّة، فتقوم السياسة المالية الانكماشيّة على زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق العام أو كلاهما، ويهدف ذلك إلى خفض معدلات النمو من أجل إعادة التوازن إلى الدورة الاقتصاديّة وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد.


الضرائب

فبالنسبة إلى الضرائب؛ تقوم الحكومة بزيادة نسب الضرائب وخفض الاستثمارات وزيادة أسعار بعض السلع والتقليل من صافي دخول المستهلكين الذي يؤدي بالنهاية إلى هدف مشترك هو تقليل الاستهلاك لإبطاء معدلات النمو، وتحقيق التوازن في الدورة الاقتصاديّة ومعالجة حالات التضخم المرتفعة.


الإنفاق

وكذلك الأمر بالنسبة للإنفاق وتتميّز هذه الحالة بوجود فائض في الميزانيّات الحكومية بسبب تقليل الحكومة الإنفاق العام مباشراً كان أم غير مباشر لتقليل الأموال التي تذهب إلى الأفراد الذين يقومون بالاستهلاك وذلك لتقليل الاستهلاك وبالتالي الإبطاء من نمو الناتج المحليّ الإجماليّ.


ما هي أهداف السياسة المالية؟

تهدف السياسة الماليّة إلى ما يأتي:[٥]

  • الاستقرار الاقتصاديّ.
  • استقرار الأسعار.
  • العمالة الكاملة.
  • التخصيص الأمثل للموارد.
  • تسريع معدل التنميّة الاقتصاديّة.
  • تشجيع الاستثمار.
  • تكوين رأس المال والنمو.


ما هي أهمية السياسة المالية؟

تتعدد الأمور التي تجعل من السياسة الماليّة أمرًا مهمًّا للاقتصاد، وفيما يأتي بعض منها: [٥]

  • تعدّ السياسة الماليّة جزءً أساسيًّا لا يتجزأ من الإطار الاقتصاديّ، وتلعب دوراً رئيسًا وهامًا في رفع معدل تكوين رأس المال، في كلا القطاعين العام والخاص.
  • تساعد السياسة الماليّة على تعبئة الموارد لتمويل المشاريع الاستثماريّة في الدولة، ويعد الإنفاق الحكوميّ أداةً من أدوات السياسة الماليّة، ويتم هذا الإنفاق على أنشطة التنمية الاقتصاديّة؛ كالإنفاق على السكك والبنى التحتية كالجسور والأنفاق والشوارع والمطارات والقطارات وما إلى ذلك، عدا عن الإنفاق على الأنشطة غير التنمويّة، مثل؛ الإنفاق على الإعانات وبدلات التعطّل والرواتب الحكوميّة والمعاشات التقاعديّة، والتي ستساهم في تقديم الحوافز للقطاع الخاص لتوسيع أنشطته.
  • تحقق السياسة الماليّة تقليل الفجوة في الدخل والثروة بين طبقات المجتمع، فيتم فرض ضريبة الدخل على جميع الأشخاص الذين يتقاضون رواتب بشكل مباشر مع دخلهم، إضافةً إلى فرض ضرائب أكبر على السلع الكماليّة وشبه الكماليّة منها من الضرائب على السلع الضروريّة الاستهلاكيّة، وبهذه الخطوة يتم تحويل الأموال من أصحاب الثروات الكبيرة عن طريق الضرائب وإنفاقها على أصحاب الدخول القليلة.
  • تسيطر السياسة الماليّة الحكيمة على معدلات التضخم، وتعمل على استقرار الأسعار.
  • تقوم خطة السياسة الماليّة على تحقيق تنمية إقليميّة متوازنة في جميع أقاليم الدولة لضمان التنافس بين جميع المدن وعدم وجود تفاوتات في المدن في البلد الواحد.
  • تقلل السياسة الماليّة من العجز الذي يمكن أن يحدث في ميزان المدفوعات التجاريّ.


المراجع

  1. KIMBERLY AMADEO (2/9/2021), "What Is Fiscal Policy?", thebalance, Retrieved 13/10/2021. Edited.
  2. Arthur M. Okun ,Pierre Le Pesant, sieur de Boisguillebert, "fiscal policy", britannica, Retrieved 13/10/2021. Edited.
  3. Mark Horton , Asmaa El-Ganainy, "Fiscal Policy: Taking and Giving Away", imf, Retrieved 13/10/2021. Edited.
  4. ADAM HAYES (24/2/2021), "Fiscal Policy", investopedia, Retrieved 13/10/2021. Edited.
  5. ^ أ ب "WHAT IS FISCAL POLICY", business-standard, Retrieved 13/10/2021. Edited.