يعبّر الإنفاق العام عن جميع المبالغ النقديّة التي يتم دفعها من قِبل شخص عام لغايات تحقيق أهداف عامة، أو إشباع حاجات مجتمعيّة، أو تحقيق رغبات عامة، فشروط أن يكون الإنفاق عاماً مقيد بالمعايير التي تمَّ ذكرها في تعريفه، ولا يكون الإنفاق عاماً إذا تمَّ دفعه من قبل شخص خاص لا يمثل منصبًا عاماً أو إذا كان الإنفاق لا يخدم رغبةً عامةً بل تمَّ دفعه لأشخاص بسبب مصالح خاصة، ويزداد الإنفاق أو ينخفض كل فترة بناءً على الحالة الماليّة للدولة وقدرتها على الإنفاق أو بناءً على الحالة الاقتصاديّة للدولة إذا كان يجب معالجتها عن طريق زيادة أو تقليل الإنفاق،[١] وبالتأكيد هنالك أهداف يجب تحقيقها من هذا الإنفاق، والعديد من الأسباب التي تؤدّي إلى زيادة هذا الإنفاق، إضافةً إلى العديد من الآثار الاقتصاديّة لهذا الإنفاق التي سيتم بيانها في هذا المقال.


ما أهداف الإنفاق العام؟

هنالك عدد كبير من الأهداف التي يسعى إليها الإنفاق العام وفيما يأتي ذكر أهمها:[٢]


التطوير الاقتصادي

إنَّ التطوير الاقتصاديّ لا يمكن أن يتم بمعزل عن الدعم الحكوميّ؛ لأنَّ القطاع الخاص يهدف بشكل أساسيّ لتحقيق الربح وعندما يتعثر تحقيق مراده يشرع فورًا بإغلاق منشآته لتخفيف الأضرار وتجنب الخسائر غير مكترثًا بالتبعات التي ستلحق الاقتصاد والعمال، في حين أنَّ الدعم الحكومي يوجَه في بعض الأحيان لتمويل بعض المشروعات التي لا يُرجى منها الأرباح فقط للمحافظة على الوضع الاقتصاديّ بالدولة وتجنب ازدياد حالات البطالة وآثار أخرى، كما أنَّها ترعى إنشاء وتشييد مشاريع بنى تحتية تساهم في نهضة اقتصاد الدولة بمبالغ لا يمكن للقطاع الخاص تحمّلها.


أداة من أدوات السياسة الماليّة

يعد الإنفاق العام أداةً مهمةً في السياسة الماليّة فهو يحافظ على الاستقرار الاقتصاديّ في الظروف المختلفة كالركود الاقتصاديّ، فتشرع الدولة لزيادة الإنفاق لخلق حالة طلب لتحسين الاقتصاد أو الحدّ من النفقات في حالات التضخم المفرط التي تؤدّي إلى آفات اقتصاديّة غير محمودة كارتفاع الأسعار.


إعادة توزيع الدخل

تقدّم الدولة الإعانات للمواطنين ذوي الدخل المحدود، كما تقوم بدعم بعض أنواع السلع والخدمات لهؤلاء المواطنين وتوفير خدمات التعليم المجانيّ لهم في خطوة مهمة لإعادة توزيع الدخل الذي يتم تحصيله من ضرائب الأغنياء ليتم تقديمه للفقراء.


النمو الإقليميّ المتوازن

تعمل الدولة على الحفاظ على التكامل والوحدة بين جميع مناطقها فتقوم بزيادة الإنفاق في المناطق الأقل حظاً لتسريع عجلة التنميّة بها من أجل التنافس مع المناطق المتقدمة في الدولة نفسها.


ما هي أسباب زيادة الإنفاق العام؟

يختلف مقدار الإنفاق العام من فترة لأخرى وفي ظرف اقتصاديّ أو سياسيّ معين عن ظرف آخر، وفي كثير من الحالات والظروف يكون المطلب هو زيادة الإنفاق لأسباب معينة على النحو الآتي:[٣]


تحقيق رفاهية الدولة

أصبح مفهوم الدول الحديثة يعنى بدولة الرفاهية أي الدولة التي تنفق بأكبر شكل ممكن لتحسين مستوى معيشة الناس وتوفير الوظائف والخدمات للمواطنين لنيل رضا المجتمع.


قيام الحروب والحاجة إلى الدفاع

مع تقدم الدول وزيادة أعداد سكانها أو زيادة الطلب على الموارد الثمينة الخام التي تساعد في تقدم وتطور هذه الدولة تنظر هذه الدولة إلى الدول التي تملك هذه الموارد بنظرة استعماريّة وتقوم بمحاولة استغلال هذه الدولة لكسب أكبر قدر ممكن من مواردها ولذلك فهي بحاجة إلى قطاع عسكريّ ضخم يمدها بالسطوة والقدرة على هذا الأمر، ويمكن أن تكون الدولة نفسها هي الدولة التي تملك هذه الموارد فتقوم بتسليح الدفاع للتصدّي لأي حروب أو نزاعات محتملة.


تعبئة الموارد والقدرة على التمويل

مع تطور الدولة ونمو اقتصادها يتوفر لديها المزيد من الإيرادات الناجمة عن الضرائب أو السلع الحكوميّة أو الخدمات الحكوميّة أو المنح، وغيرها وبالتالي ستزداد قدرتها على تمويل الإنفاق العام فتقوم بزيادة الإنفاق من هذه الموارد أو من الديون أو من المساعدات الخارجيّة بشكل يتناسب مع الإيرادات المتحققة للمحافظة على النمو الاقتصاديّ وتنميته.


الظروف الاستثنائيّة

هنالك بعض الظروف الاستثنائيّة غير المتوقعة التي تؤدّي إلى عرقلة عجلة النمو الاقتصاديّ وتعطيله؛ كجائحة وباء كورونا على سبيل المثال التي أدّت إلى حصول إغلاقات عديدة في جميع القطاعات وتسريح الموظفين بالجملة، الأمر الذي استدعى من الدول تمويل صناديق لدعم المتضررين من هذه الجائحة والمحافظة على الاقتصاد من الوقوع في هاوية كبيرة، وقد يكون الظرف الاستثنائيّ اقتصاديًا كحالات الركود فيتعيّن على الحكومة الاستمرار في زيادة الإنفاق العام لخلق حالة من الطلب الكليّ على السلع لمنع تحول الركود إلى كساد.


الأثر السكاني

يتزايد النمو السكانيّ في الدول ومع زيادة عدد السكان يتعذر على البنى التحتيّة استيعاب وخدمة هذا العدد فتحتاج الدولة الإنفاق على البنى التحتيّة وتطويرها وزيادتها بشكل يتناسب مع هذه الزيادة في النمو السكانيّ.


ما هي الآثار الاقتصاديّة للنفقات العامة؟

للنفقات العامة العديد من الآثار على الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والاستقرار الاقتصادي، وفيما يأتي بيان لأهمها:[٤]


التأثير على الإنتاج

يتم دراسة تأثير الإنفاق العام على الإنتاج من خلال دراسة تأثيره على القدرة والرغبة في العمل والادّخار والاستثمار:

ناحية القدرة

يزيد الإنفاق العام القدرة الإنتاجيّة للمجتمع، فعند زيادة الإنفاق على التعليم والصحة وغيرها ستزيد قدرة العمّال على الإنتاجيّة ممّا يؤدّي إلى زيادة أجورهم والذي يعمل على زيادة مدخرات الأفراد الناجم عن زيادة الدخل، مما يؤدي إلى زيادة تكوين رأس المال وبالتالي تمكّن الأفراد من الاستثمار.


ناحية الرغبة

يمكن أن يؤدي الإنفاق العام في بعض الأحيان إلى آثار سلبية تؤثر على رغبة الناس في العمل أو في الادّخار، فعندما تنفق الدولة على الضمان الاجتماعيّ بشكل كبير مثل الإنفاق على إعانات البطالة أو التقاعد أو الشيخوخة أو الإعانات المرضيّة يمكن أن تتشكل فكرة لدى الأفراد تفقدهم الرغبة بالعمل إذا كان هذا الإنفاق مبلغًا كبيراً، فتعمل كمثبط للحافز على العمل.


كما لا يمكن غض النظر على الإنفاق على قطاع الاستثمار؛ فللإنفاق فعالية كبيرة في تشجيع الاستثمار في هذا القطاع على سبيل المثال؛ إذا قررت الحكومة تشجيع الاستثمار في قطاع ما فإنَّها ستعمل على توفير العديد من المزايا مثل المزايا الضريبيّة للقطاعات الاستثماريّة لجذب الاستثمار على هذه الصناعة، وكذلك الأمر عندما تقوم الحكومة بالترويج لمنطقة معيّنة فإنَّها ستشجع الاستثمار فيها من خلال توفير حوافز معيّنة لجذب أولئك الأشخاص الذين سيقومون بالاستثمار في تلك المنطقة.


التأثير على التوزيع

يعد الهدف الأساسيّ للإنفاق العام هو تعظيم المنفعة الاجتماعيّة التي لا يمكن تحقيقها إلا عند إزالة عدم المساواة في الدخول أو تقليص هذه الفجوة لأكبر قدر ممكن، فعندما تحصل الحكومة على الإيرادات الضريبيّة على دخول أصحاب الثروات والدخل المرتفع يتم توجيه هذه الإيرادات على نحو يجعل أصحاب الدخل الأدنى هم الأكثر استفادةً منها من خلال تمويل برامج الرعاية الاجتماعيّة للإنفاق على ذوي الدخول المحدودة بشكل مباشر لزيادة دخولهم وتقليص الفارق في الدخول في الدولة، ممّا يؤدّي إلى زيادة قدرتهم الشرائيّة، ويمكن أن يتم الإنفاق بطريقة غير مباشرة مثل منح الأشخاص ذوي الدخول المنخفضة إعفاءات للعلاج والتعليم والذي بدوره سيؤدّي لفترة طويلة من الزمن على تنميتهم وزيادة قدرتهم على تحقيق مداخيل أعلى.


التأثير على الاستهلاك

عندما تقوم الدولة بالإنفاق على أصحاب الدخول المحدودة بطريقة مباشرة فإنَّ معظم هذا الدخل سيتجه إلى شراء سلع تلبي رغباتهم وتقضي حاجاتهم الاستهلاكيّة مما يعمل على زيادة الطلب وتحقيق النمو الاقتصاديّ، ويتم الإنفاق على الاستهلاك من خلال شراء الحكومة للسلع الاستهلاكيّة بهدف استهلاكها، فالحكومة بالطبع توظف العدد الكبير جداً من الموظفين وتحتاج إلى سلع كثيرة وصيانة للمعدات والأجهزة لاستمراريّة عملها، ويؤدّي هذا الإنفاق إلى الزيادة على الطلب وزيادة الدخول وبالتالي زيادة الإنتاج الذي سيعمل على زيادة الناتج المحليّ الإجماليّ وتطوير الاقتصاد.


التأثير على الاستقرار الاقتصادي

يتخذ عدم الاستقرار الاقتصادي عددًا من الأشكال مثل التضخم أو الكساد أو الركود، وتعالج هذه المشكلات من خلال الإنفاق ففي حالة التضخم وزيادة الأسعار تقوم الحكومة بتقليل الإنفاق عبر سياسة إنكماشيّة لتقليل الطلب الهائل، وبالعكس في حالة الركود والكساد فإنَّ الإنفاق الحكومي يزيد لتشجيع الناس وتحفيزهم على زيادة الطلب للحفاظ على الاستقرار الاقتصاديّ.


المراجع

  1. nipun S, "Public Expenditure: Meaning and Principles | Economics", economicsdiscussion, Retrieved 7/10/2021. Edited.
  2. Ritika muley, "Public Expenditure: Causes, Principles and Importance", economicsdiscussion, Retrieved 30/9/2021. Edited.
  3. smriti chand, "11 Main Causes of Growth of Public Expenditures – Explained!", yourarticlelibrary, Retrieved 30/9/2021. Edited.
  4. Gaurav Akrani (2/11/2011), "Effects of Public Expenditure On Economy Production Distribution", kalyan-city.blogspot. Edited.