يعد البنك المركزيّ الجهة القانونيّة الرسميّة المخولة بالتحكم بالسياسة النقديّة لدى الدولة، ويهدف البنك المركزيّ من خلال سياسته النقديّة إلى خلق حالة من النمو الطبيعيّ، ولذلك يقوم البنك من خلال هذه السياسة النقدية بالتحكم بالاقتصاد لعدد من الأهداف، من خلال استخدامه أدوات معينة تختلف عن الأدوات التي يتم استخدامها من قبل الحكومة في السياسة الماليّة، [١] فما هي السياسة النقدية؟ وما هي أهدافها؟ وما هي أنواعها؟ وما هي أدواتها؟ كل ذلك سيتم الإجابة عليه في هذا المقال.


ما هي السياسة النقدية؟

تعرف السياسة النقدية Monetary policy بأنَّها مجموعة من الأدوات والإجراءات والتدابير التي تتخذ من قبل البنك المركزيّ من أجل تنظيم المعروض النقديّ عن طريق التأثير بالاقتصاد بهدف تحقيق الاستقرار في اقتصاد الدولة، ويتم استخدام السياسة النقديّة أيضاً لتحقيق أهداف أخرى مثل التحكم بالمعدلات الطبيعيّة للنمو والتضخم، بالإضافة إلى التقليل من معدلات البطالة والمحافظة على قيمة العملة النقديّة للدولة من الانخفاض.[٢]


ما هي أدوات السياسة النقدية؟

هنالك نوعان من الأدوات التي تقوم الحكومة بتطبيق سياستها النقديّة من خلالهما، وهما الأدوات الكميّة والنوعيّة، وفي الآتي بيان مفصّل لكلا النوعين:


الأدوات الكمية Quantitative Methods

يتم استخدام الأدوات الكميّة بشكل غير مباشر للتحكم في المعروض النقديّ المتداول لدى الأفراد وحجم الائتمان في مصارف الدولة، ولها ثلاثة أنواع:[٣]


سياسة سعر البنك أو سعر إعادة الخصم

ويشير مصطلح سعر إعادة الخصم إلى العائد الذي يتلقاه البنك المركزيّ من البنوك التجاريّة عند خصم الأوراق التجاريّة، كما يشير إلى معدل الفائدة الذي يُفرض على البنوك التجاريّة عند اقتراضها من البنك المركزيّ، والذي يؤدي زيادته إلى زيادة سعر الفائدة لأنَّ البنوك تقوم بتحميل تكلفة الاقتراض إلى العملاء، ففي حالات الركود يتم تخفيض معدل الخصم لينتهي بتقليل سعر الفائدة لحفز الناس وجذبهم وتشجيعهم على الاقتراض لخلق حالة من الطلب والخروج من حالات الركود، وعلى العكس من ذلك في حالات التضخم حيث يقوم البنك المركزيّ برفع معدل الخصم لإبطاء النمو في المعروض النقديّ وذلك بسبب عدم رغبة الناس في الاقتراض بتكلفة عالية.


عمليات السوق المفتوح

وهي العمليات التي يقوم من خلالها البنك المركزيّ بشراء وبيع الأوراق الماليّة في السوق الماليّ، ففي حالات الركود يقوم البنك بشراء السندات والأوراق الماليّة المطروحة ودفع الأموال مقابلها لمصدّر هذه الأوراق بهدف زيادة المعروض النقديّ وزيادة الطلب، وأما في حالات التضخم فيقوم البنك ببيع هذه الأوراق أو إصدار أوراق ماليّة وطرحها ليتم شراؤها من قبل الأفراد في السوق الماليّ وجمع الأموال لتقليل المعروض النقديّ في محاولة لكبح التضخم الاقتصاديّ.


نسبة الاحتياطي الإلزامي

يقوم البنك المركزيّ بفرض نسبة من الاحتياطيّ النقديّ على البنوك؛ وذلك بإجبار هذه البنوك على تجميد مبلغ معين من المال يمثل نسبة من إجمالي الودائع في البنك، ويتم الاحتفاظ به في صندوق احتياطيّ لدى البنك نفسه أو لدى البنك المركزيّ، ويمنع البنك من استخدام هذه الأموال وتوظيفها من خلال الإقراض أو أيّ وسيلة أخرى، ففي حالات التضخم يزيد البنك من نسبة الاحتياطيّ النقديّ لتقليل الأموال المتاحة للإقراض لدى البنوك، وعلى العكس من ذلك في حالات الركود فيقوم البنك المركزيّ بتخفيض نسبة الاحتياطيّ النقديّ لتوفير مبالغ أكبر لدى البنوك تكون متاحةً للإقراض لحفز النمو الاقتصاديّ.


الأدوات النوعية Qualitative Methods

وتهدف الأدوات النوعيّة للسياسة النقديّة إلى تنظيم وتخصيص وتوجيه الائتمان في جميع القطاعات، وذلك بما يتوافق مع الحالة الاقتصاديّة في الدولة، وهنالك العديد من أدوات السياسة النقديّة النوعيّة الموضّحة على النحو الآتي:[٤]


متطلبات هامش الربح

ويشير هذا المصطلح إلى مبلغ نقديّ يدفعه العميل كهامش الجديّة مثلاً بنسبة من مبلغ التمويل وذلك للموافقة على منحه طلب التمويل، وبشكل أوضح يمكن أن يطلب البنك دفع مبلغ نقديّ مقدماً قيمته 10% من مبلغ الدين البالغ 100 ألف وبالتالي فيجب على العميل أن يمتلك دفعة تقدّر بـ 10 آلاف ليقوم البنك بتمويل العميل بالمبلغ المتبقي وهو 90 ألفًا، وتهدف هذه الأداة إلى توجيه الائتمان نحو القطاعات التي تحتاج التمويلات وتقليل نسبة الائتمان في القطاعات غير الضروريّة أو التي تعاني من التضخم، ففي القطاع الذي يشهد معدلات مرتفعةً من الأسعار بسبب أنَّ مستهلكيه يمتلكون سيولةً كافيةً فإنَّ البنك المركزيّ يزيد من متطلبات الهامش التي سيدفعها عملاؤه للحصول على قرض، والعكس صحيح في حالة أراد البنك المركزيّ توجيه الائتمان نحو قطاع آخر لا يعاني تضخمًا.


الإقناع الأخلاقي

ويشير ذلك إلى وسائل الإقناع التي يمارسها البنك على قطاع المصارف والبنوك من غير القيام بإجراءات صارمة، فهو أقرب ما يكون إلى طلب أو اقتراح، فيتم مشاركة التوقعات المكونة لدى البنك المركزيّ وخطته المرسومة لتقييد الائتمان أو تحريره في حالات التضخم والركود، فتقوم البنوك بالمساعدة في تنفيذ خطة البنك المركزيّ عبر سلسلة من الاقتراحات التي يقدّمها البنك المركزيّ لهذه البنوك.


تقنين الائتمان

يتم تحديد مبلغ الائتمان المسموح للبنوك التجاريّة إقراضه، بحيث تهدف هذه الأداة إلى التقليل من المعروض النقديّ بشكل مباشر جداً، لأنَّ إقراض المزيد من الأموال في حالات معينة سيؤدي إلى زيادة الأموال الموجودة لدى الأفراد فيزيد ذلك من احتماليّة إنفاقها على الاستهلاك والاستثمار؛ الأمر الذي سيزيد من حالات التضخم والذي يعد أمراً سلبياً في حالات الازدهار وإيجابيًّا في حالات الركود.


إدارة الائتمان الاستهلاكي

تقوم هذه الأداة بتنظيم وإدارة الإنفاق الائتمانيّ على قطاع الاستهلاك، وذلك من خلال وضع نسبة ثابتة وأرقام محددة ودفعات مقدّمة للحصول على هذا النوع من الائتمان؛ مثل تحديد الأقساط الشهريّة وهامش الجديّة ومبلغ القرض للسلع التي يتم بيعها عن طريق الأقساط أو عن طريق الإيجار المنتهي بالتمليك.


التوجيهات المباشرة

يقوم البنك بتوجيه العديد من الأوامر والخطوات التي يجب على البنوك في الدولة اتّباعها، وتختلف هذه الخطوات في كل وقت فهي غير ثابتة؛ حيث يمكن للبنك توجيه البنوك إلى زيادة حصة قطاع معين من الائتمان أو تقليص حصة قطاع آخر مثلاً.


الإجراءات الجزائية

يقوم البنك المركزيّ بفرض العقوبات على أيّ بنك لم يلتزم بالتوجيهات التي تمَّ طرحها من قبل البنك المركزيّ، وذلك لأنَّ عدم الالتزام بهذه التوجيهات سيعرقل سير السياسة النقديّة لتحقيق أهدافها، ويمكن أن تكون هذه العقوبات مثلًا: فرض حظر حكوميّ للتعامل مع هذا البنك، أو الامتناع عن خصم الأوراق التجاريّة ورفع الأسعار على البنك، أو رفض طلبات البنك في الحصول على ائتمان عند تجاوز التزامات هذا البنك لرأس ماله.


التوعية

يقوم البنك المركزيّ بنشر العديد من التقارير التي توضح إيجابيات وسلبيات الأنظمة المتبعة من قِبل البنوك، وتوفير معلومات عن كيفية توجيه الائتمان من قِبل البنوك إلى القطاع الصحيح الذي يحقق البنك من خلاله أهدافه في تحقيق الربح وبنفس الوقت الذي يحقق البنك المركزيّ أهدافه عن طريق السياسة النقديّة.


ما هي أنواع السياسة النقدية؟

وتقسم السياسة النقدية حسب النوع إلى قسمين:[٥]


السياسة التوسعية Expansionary Monetary Policy

تستخدم السياسة النقديّة التوسعيّة في حالات الركود، وذلك من خلال طباعة المزيد من النقود مثلاً وضخّها بالاقتصاد لتحفيز الطلب، أو من خلال تقليل معدلات الخصم لتشجيع الأفراد على الاقتراض عند نزول أسعار الفائدة، إضافةً إلى شراء السندات والأوراق الماليّة من خلال السوق المفتوح، وخفض متطلبات الاحتياطيّ النقديّ للبنوك، فجميع هذه الإجراءات يتم استخدامها بهدف وحيد وهو زيادة المعروض النقديّ في الدولة، فعند الحصول على أموال أكثر يتم الإنفاق أو الاستثمار منها بشكل أكبر، أو تقليل ادخار الأموال المحازة من قبل الأفراد عن طريق تقليل أسعار الفائدة فيصبح ادّخارها غير جذّاب لهم، ولكن يجب إدارة المعروض النقديّ بشكل مدروس؛ وذلك لأنَّ الزيادة في المعروض النقديّ قد تزيد من معدلات التضخم بشكل كبير وبوقت قصير فيصبح هنالك حالة من الركود التضخميّ، أو قد يحدث انخفاض في قيمة العملة المحليّة للدولة.


السياسة الانكماشية Contractionary Monetary Policy

وعلى العكس من السياسة النقدية التوسعية، فتستخدم السياسة النقدية الانكماشيّة في حالات التضخم، وذلك بهدف محاولة إبطاء أو تقليل المعروض النقديّ بنفس الوقت الذي يتم فيه كبح النمو العالي بشكل غير طبيعيّ في الاقتصاد، وذلك من خلال رفع معدل الخصم الذي يؤدي إلى رفع أسعار الفائدة وزيادة تكلفة الاقتراض لتقليل توجه الأفراد نحو الاقتراض، والقيام بعمليات بيع الأوراق الماليّة من خلال عمليات السوق المفتوح لتقليل المعروض النقديّ لدى الأفراد في الدولة، بالإضافة إلى رفع متطلبات الاحتياطيّ النقديّ للبنوك لتقليل الأموال المتاحة للإقراض لدى البنوك، وجميع هذه الإجراءات تحاول المحافظة على استقرار الأسعار على الرغم من أنَّ لها تأثيرًا سلبيًّا على معدلات التوظيف وزيادة نسب البطالة.


ما هي أهداف السياسة النقدية؟

تهدف السياسة النقديّة إلى الحفاظ على استقرار النمو الاقتصاديّ في الدولة من خلال المحافظة على معدلات النمو الطبيعيّة للاقتصاد، والمحافظة على معدلات معتدلة من الأسعار للسلع والخدمات، وأيضًا توفير فرص العمل التي تقلل من نسب البطالة في الدولة، وتقوم السياسة بتحقيق هذه الأهداف من خلال إدارة نسب التضخم ومعدلات البطالة وسعر صرف العملة المحليّة،[٦][٥] كما هو موضح على النحو الآتي:


إدارة التضخم

تقوم السياسة النقديّة بإدارة التضخم من خلال وضع نسبة التضخم في معدل يتراوح بين ال3% وال 4%، وهو التضخم الصحيّ للاقتصاد الذي يحافظ على النمو الاقتصاديّ بمعدلات طبيعيّة، وذلك من خلال سياسة الانكماش أو التوسع حسب نسبة التضخم الحاليّة.


إدارة البطالة

وتقوم السياسة النقديّة بإدارة البطالة من خلال توظيف أكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل لتقليل نسب البطالة عند أدنى مستوى ممكن، ويكون ذلك عادةً باستخدام السياسات التوسّعية.


إدارة سعر صرف العملة المحلية

يقوم البنك بالتلاعب بسعر صرف العملة المحليّة لأسباب اقتصاديّة، ويقوم بتنظيم سعر الصرف بين العملة المحليّة والأجنبيّة من خلال التحكم بالمعروض النقديّ الذي تؤدّي زيادته إلى تقليل سعر العملة المحليّة، كما يؤدي تقليله إلى عكس ذلك.


المراجع

  1. Dhruv Arora, "Monetary Policy vs Fiscal Policy", educba, Retrieved 18/10/2021. Edited.
  2. KIMBERLY AMADEO (23/9/2021), "What Is Monetary Policy?", thebalance, Retrieved 18/10/2021. Edited.
  3. Gaurav Akrani (21/9/2010), "Instruments of Monetary Policy - Quantitative & Qualitative Tools", kalyan-city.blogspot, Retrieved 18/10/2021. Edited.
  4. "Quantitative and Qualitative Instruments of Monetary Policy", blog.finology, 5/1/2021, Retrieved 18/10/2021. Edited.
  5. ^ أ ب THE INVESTOPEDIA TEAM (29/8/2021), "Monetary Policy", investopedia, Retrieved 18/10/2021. Edited.
  6. Sean Peek (23/7/2021), "What Is Monetary Policy?", businessnewsdaily, Retrieved 18/10/2021. Edited.