أهم المعلومات عن النظام الاقتصادي الرأسمالي

مع المحاولة المستمرّة للمجتمعات بأن تجد أفضل الأنظمة الاقتصاديّة حتى تتبعها وتحقق الكفاءة الاقتصاديّة، ظهر النظام الاقتصاديّ الرأسماليّ capitalist economic system كمحاولة لتقديم حلول للمشكلات الاقتصاديّة التي تسبب بها النظام الاشتراكيّ، فنادى النظام الاقتصاديّ الرأسماليّ بتحرير الاقتصاد من القيود كافّة، وسيطرح هذا المقال مفهوم النظام الاقتصاديّ الرأسماليّ، وكيف يعمل هذا النظام، وما هي خصائصه وجوانبه الإيجابيّة والسلبيّة.^[١][٢]

ما هو النظام الاقتصادي الرأسمالي؟

يُقصد بالنظام الاقتصاديّ الرأسماليّ Capitalist economic system أو ما يسمى بالرأسماليّة Capitalism أنَّه نظام اقتصاديّ يمتلك فيه القطاع الخاص -الأفراد أو الشركات- السلع الرأسماليّة ومعظم وسائل الإنتاج بالدولة بحيث يعتمد إنتاج السلع والخدمات على العرض والطلب في السوق العام -اقتصاد السوق- وليس من خلال التخطيط المركزيّ للسوق، أي أنَّه يتم توجيه الإنتاج وتوزيع الدخل إلى حد كبير من خلال تشغيل هذه الأسواق، كما أنَّه في الاقتصاد الرأسماليّ النقيّ تكون الأسواق حرة بدون تدخل من الحكومة، أي أنَّ الأفراد غير مقيدين ويمكنهم تحديد مكان استثمارهم وما يجب إنتاجه أو بيعه، وتحديد أسعار التبادل للسلع والخدمات، لذلك فإنَّ السوق تحت النظام الرأسماليّ يعمل بدون ضوابط أو قيود أو مراقبة.

واليوم تمارس معظم البلدان نظامًا رأسماليّ مختلط يتضمن درجة محددة من التنظيم الحكوميّ للأعمال التجاريّة وامتلاك بعض الصناعات المختارة، مع مراعاة حريّة الأفراد الاقتصاديّة وتقنين هذه القيود إلى حد كبير.^[١][٢]

كيف تعمل الرأسمالية؟

في ظل النظام الرأسماليّ يتنافس القطاع الخاص في جانب العرض ضد بعضهم البعض لتحقيق أعلى ربح ممكن، أي يبيعون سلعهم بأعلى سعر ممكن مع إبقاء تكاليفهم منخفضة قدر الإمكان، وتحافظ هذه المنافسة على اعتدال الأسعار وكفاءة الإنتاج، على الرغم من أنَّها يمكن أن تؤدي أيضًا إلى استغلال العمّال وإيجاد ظروف عمل سيئة، خاصةً في الدول التي لا توجد بها قوانين عمل صارمة.

كما تعمل الرأسماليّة على التشغيل الحرّ لأسواق رأس المال أيضًا، ولذلك تحدد قوانين العرض والطلب أسعار الأسهم والسندات والمشتقات والعملات والسلع، وتسمح الأسواق الرأسماليّة للشركات بجمع الأموال للتوسع، وتجادل النظريات الرأسماليّة الاقتصادية بأنَّ الحكومة يجب أن تتخذ نهج عدم التدخل في السوق ويجب أن تتدخل فقط للحفاظ على تكافؤ الفرص، بحيث يكمن دور الحكومة في هذا النظام فيما يأتي:

• حماية السوق الحرة؛ بحيث تمنع المزايا غير العادلة التي تحصل عليها الأطراف المحتكرة.
• منع التلاعب بالمعلومات والتأكد من توزيعها بشكل منصف وعادل.
• حماية السوق من خلال الحفاظ على النظام مع الدفاع الوطنيّ.
• الحفاظ على البنية التحتيّة في الدولة.

لذلك تفرض الحكومة الضرائب على مكاسب رأس المال والدخل لتحقيق هذه الأهداف.^[٣]

ما هي خصائص النظام الاقتصادي الرأسمالي؟

في النظام الاقتصاديّ الرأسماليّ يمتلك الأفراد وسائل الإنتاج، ويديرونها بهدف رئيس وهو تعظيم الأرباح، وتكون المشاريع الحرة والمنافسة والملكيّة الخاصة للممتلكات هي السمات المهمة للنظام الاقتصاديّ الرأسماليّ، وفيما يأتي بعض الخصائص المهمة للنظام الاقتصاديّ الرأسماليّ:

اقتصاد المؤسسة الحرة Free Enterprise Economy

يسمى الاقتصاد الرأسماليّ باسم اقتصاد المؤسسة الحرة، بحيث يحق للأفراد والشركات الخاصة امتلاك واستخدام الممتلكات ولديهم الحق في كسب الدخل والادّخار والإنفاق، ويُسمح لهم الحصول على الموارد وتنظيم الإنتاج وبيع المنتجات بأيّ طريقة يرغبون بها ولأي طرف، ولهذا لن يكون هنالك قيود حكوميّة أو أيّ قيود أخرى على حرية الأفراد وقدرتهم على القيام بأي عمل تجاري، وتكون الحرية كاملةً للأفراد والمؤسسات باختيار أيّ نوع من العمل أو المهن أو المشاريع.^[٤]

الملكية الخاصة Private Ownership

في ظل الاقتصاد الرأسماليّ، تكون عوامل الإنتاج مثل العمل والأرض ورأس المال والتنظيم مملوكةً ملكيّةً خاصةً، ويحمي القانون في الدولة الملكيّة الخاصة ويراقبها ويفرضها، ويكون للأفراد الحق في التملّك وحرية استخدام الملكيّة كما يحلو لهم، وهذا يعني وجود قطاع خاص يمتلك الممتلكات والمصانع والمعدات ويقرر المنتجون فيه كيفية إدارة أعمالهم ومقدار إنتاجهم وعدد الأشخاص الذين سيعملون معهم.^[٤][٥]

حرية اختيار المهنة Freedom to Choose Occupation

يتمتع الفرد في ظل الاقتصاد الرأسماليّ بحرية اختيار أيّ مهنة للعمل بها، وتمكن حرية الاختيار الأفراد من دخول المجال الذي لديهم معرفة ورغبة فيه وشراء الممتلكات المرغوبة لتحقيق أقصى ربح، ويمكن لرجال الأعمال جني أرباح أعمالهم بسبب هذا النوع من الحرية، ولهذا ستتدفق الموارد بصورة أكبر إلى المناطق التي يكون العائد فيها أكبر.^[٤]

آلية السوق Market Mechanism

وهي أهم سمة مميّزة للاقتصاد الرأسماليّ وتسمى أيضًا بآلية التسعير، وفي ظل الاقتصاد الرأسماليّ يوجه الربح المرتبط بآلية السوق إلى عملية تخصيص الموارد، ولذلك في ظل هذا النظام فإنَّ النظام الاقتصاديّ يتحرّك ليصبح التسعير حرًا، وتحدد آلية التسعير مستوى الاستهلاك والإنتاج والتوزيع وتعمل كآلية تنظيم في المجتمع الرأسماليّ.^[٤]

سيادة المستهلك Consumers’ Sovereignty

في ظل الاقتصاد الرأسماليّ يتمتع المستهلكون بحرية كاملة في اختيار ما يشترونه وما يرغبون باستهلاكه، ولذلك يعد المستهلك "ملك السوق" في ظل الرأسماليّة، ولهذا يأخذ المنتجون في الاعتبار طلب المستهلكين وأذواقهم وتفضيلاتهم أثناء إنتاج السلع.^[٤]

الحرية في الادخار والإنفاق Freedom to Save and Spend

في ظل الرأسمالية تكون الميزة التي يتمتع بها المستهلك هي حرية التصرف في دخله الشخصي بأي طريقة يريدها، مما يعني أنه قد ينفق أكثر مما يكسب أو يدخر دخله كاملا أو يمنح قرضا لأي شخص.^[٤]

المنافسة بين البائعين Competition among Sellers

وهي خاصية من خصائص النظام الرأسماليّ الحر، والمنافسة بين المنتجين تجعلهم يستفيدون بأفضل طريقة ممكنة من عوامل الإنتاج وتمكنهم من إنتاج السلع بأقل تكلفة، وتعد المنافسة في الاقتصاد الرأسماليّ الحرّ ميزةً أساسيّةً لحماية المستهلكين والحفاظ على نظام سعر مرن، لأنَّها تؤدي إلى انخفاض الأسعار حيث تسعى الشركات إلى جعل نفسها أكثر جاذبيةً عند مقارنتها بمنافسيها من خلال خفض أسعارها.

كما قد تقود المنافسة الشركات إلى السعي لتكون أفضل من منافسيها بحيث يمكنهم الحصول على جزء أكبر من حصة السوق لمنتجاتهم أو خدماتهم مما يؤدّي إلى زيادة أرباحهم و وقد يعمل ذلك غالبًا على الابتكار للتغلّب على المنافسين، وهذا الابتكار سيعزز المجتمع من حيث التكنولوجيا والفكر.^[٤][٥]

الحرية في إبرام العقود Freedom to enter into Contracts

في ظل الاقتصاد الرأسماليّ يتمتع الناس بحرية إبرام العقود كما يرغبون، أيّ لكل شخص حرية بيع بضاعته أو تقديم خدمات لمن يرغب من الأطراف.^[٤]

الميراث Inheritance

بحيث يعطي هذا النظام الحق في منح أو حيازة الممتلكات في الميراث.^[٤]

عدم وجود خطة مركزية No Central Plan

في الاقتصاد الرأسماليّ لا توجد خطة مركزيّة لتوجيه ومراقبة الأنشطة التجاريّة المختلفة، نظرًا لأنَّ قوى السوق هي التي تؤثر على تخصيص الموارد وقرارات الاستثمار وليس الحكومة.^[٤]

الحد الأدنى من التدخل الحكومي Minimal Government Intervention

تعتقد المجتمعات التي تتبع النظام الرأسماليّ أنَّه يجب أن تعمل الأسواق بمفردها دون تدخل الحكومة وهو ما يعرف باسم عدم التدخل، ويُعتقد في ظل النظام الرأسماليّ أن السوق الحرة ستخلق دائمًا الكمية المناسبة من العرض لتلبية الطلب وأنَّ الأسعار ستتعدل وفقا لذلك، ويُعتقد أنَّ السوق حرة من أيّ تدخل حكومي، أي أنَّه لا يوجد لوائح أو قوانين عمل تعيق كفاءة الاقتصاد في السوق الحر، ومع ذلك فإنَّ المجتمعات الرأسماليّة الخالية تمامًا من الحكومة موجودة فقط في الناحية النظريّة؛ فحتى الدول التي تعد نفسها رأسماليّة بامتياز تنظم الحكومة فيها بعض الصناعات لكن بشكل أقل من غيرها.^[٥]

دافع الربح Profit Motive

يكون الدافع للعمل في ظل النظام الاقتصاديّ الرأسماليّ هو دافع تحقيق الربح فقط، أي أنَّ دافع جميع الشركات في هذا النظام هو صنع وبيع السلع والخدمات لتحقيق الأرباح، على الرغم من أنَّ بعض السلع أو الخدمات قد تلبي بعض احتياجات الناس، فإنَّها لن تكون متاحةً إلا إذا كان لدى الناس الموارد اللازمة لدفع ثمنها، كما قد يؤدي دافع الربح إلى تراكم الثروة وذلك عامل أساسيّ لتزويد الأفراد بالعمل والابتكار وتشجيعهم عليه، كما سيساهم هذا الابتكار في تقدّم المجتمع من خلال إدخال تقنيات جديدة وسلع أرخص.^[٥]

ما هي إيجابيات النظام الاقتصادي الرأسمالي؟

للنظام الاقتصاديّ الرأسماليّ الذي يعتمد على الحرية في الأسواق وعلى الملكيّة الخاصة جوانب إيجابيّة ومزايا اقتصاديّة، وفيما يأتي الجوانب الإيجابية المتحققة بسبب اتّباع النظام الرأسماليّ:^[٦][٧]

تحقيق الكفاءة Efficiency

للشركات العاملة في النظام الرأسماليّ حوافز فعّالة ينتج عنها السلع المطلوبة، كما تخلق هذه الحوافز ضغوطًا لاستخدام الموارد بكفاءة بدون هدر للمساعدة على خفض التكاليف.

تحقيق التعاون Innovation

تتمتع الرأسماليّة بديناميكيّة عالية يسعى فيها روّاد الأعمال والشركات إلى إنشاء وتطوير منتجات مربحة، لذلك لن تكون هناك حالة ركود، بل سيكون رجال الأعمال مستثمرين دائمًا في منتجات جديدة يكون طلب المستهلكين عليها مرتفعًا؛ مما سيساهم في تطوير المنتجات وتوفير المزيد من الخيارات للمستهلكين.

تحقيق النمو الاقتصادي Economic growth

في النظام الرأسماليّ تواجه الشركات والأفراد حوافز ليكونوا مبتكرين وعاملين بجدية، ممّا سيساهم في خلق مناخ من الابتكار والتوسّع الاقتصادي وزيادة الناتج المحليّ الإجماليّ الحقيقيّ الذي سيعمل على تحسين مستويات المعيشة.

ما هي سلبيات النظام الاقتصادي الرأسمالي؟

على الرغم من أنَّ للنظام الاقتصاديّ الرأسماليّ العديد من الجوانب الإيجابيّة، إلا أنَّه لا يمكن تجاهل السلبيات والعيوب التي يسببها، وفيما يأتي توضيح لسلبيات النظام الرأسماليّ:^[٦]

الاحتكار Monopoly power

تمكّن الملكيّة الخاصة لرأس المال الشركات من اكتساب قوة احتكاريّة في أسواق المنتجات والعمل، بحيث يمكن للشركات ذات القوّة الاحتكاريّة استغلال مركزها لتفرض أسعار أعلى.

احتكار الشراء Monopsony power

في المجتمعات الرأسماليّة يمكن للشركات التي تتمتع بسلطة احتكار الشراء دفع أجور أقل للعمال، وغالبًا ما يكون هناك تفاوت كبير بين مالكي رأس المال، وأولئك الذين يعملون في الشركات.

تجاهل المنفعة الاجتماعية Social benefit ignored

تتجاهل الشركات الرأسماليّة في الأسواق الحرة التي تعظم الربح العوامل الخارجيّة السلبيّة، مثل التلوّث بفعل الإنتاج، وبالمقابل لن يوفر السوق الحر السلع ذات العوامل الخارجية الإيجابيّة مثل الصحة والنقل العام والتعليم، ممّا سيؤدي إلى تخصيص غير فعّال للموارد.

الثروة الموروثة وعدم المساواة في الثروة Inherited wealth and wealth inequality

يقوم المجتمع الرأسماليّ على الحق القانونيّ في الملكيّة الخاصة والقدرة على نقل الثروة إلى الأجيال القادمة، والذي خلق جدالًا بين الرأسماليين أصحاب الرأي بقولهم أنَّه يجب توريث ثرواتهم وجهودهم من الكسب والعمل، وتكمن هنالك مشكلة بأنَّه غالبًا ما يكون الناس أغنياء لمجرد أنَّهم يرثون ثروةً أو يولدون في طبقة متميّزة لذلك فإنَّ النظام الرأسماليّ سيفشل في تحقيق المساواة في النتائج وتوفير تكافؤ الفرص.

تناقص المنفعة الحدية للثروة Diminishing marginal utility of wealth

يتجاهل النظام الرأسماليّ تناقص المنفعة الحدية للثروة، بحيث إنَّ المليونير الذي يحصل على مليون إضافي لا يرى زيادةً طفيفة في الرفاهيّة الاقتصاديّة، ولكنَّ المليون الذي يُنفق على الرعاية الصحيّة من شأنه أن يوفر زيادةً أكبر بكثير وزيادةً ملاحظة في الرعاية الاجتماعيّة.