ما المقصود بمفهوم التضخم؟
يشير مفهوم التضخم Inflation إلى الانخفاض العام في القوّة الشرائية لعملة معيّنة خلال مدة زمنيّة محددة، هذا وينعكس التقدير الكميّ لمعدل الانخفاض في القوّة الشرائية على الزيادة في متوسط مستوى السعر الخاص بمجموعة معيّنة من السلع والخدمات الموجودة في اقتصاد الدولة خلال تلك الفترة، حيث إنَّ الارتفاع في الأسعار يشير إلى أنَّ العملة الشرائيّة أصبحت تشتري أقل مما كانت عليه سابقًا، ويهدف التضخم إلى قياس التأثير الإجماليّ لتغييرات الأسعار على مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات على مدى فترة من الزمن، لذلك فعند حدوث التضخم سيقل شراء الأفراد للمنتجات؛ مما يعني إنفاقًا أقل، وبالتالي سيؤثر ذلك على التكلفة العامة للمعيشة لعامة الناس؛ مما يقود في نهاية المطاف إلى حدوث تباطؤ في النمو الاقتصاديّ.[١]
ما هي نظريات التضخم؟
قام بعض الاقتصادييّن بوضع نظريات خاصة بالتضخم، وقد تمَّ ربطها بالأسباب النقديّة، واقترحوا تدابير نقديّة للسيطرة عليه، هذا وقد توصل البعض الآخر إلى أنَّ الاقتصاد غير المتوازن هو السبب في حدوث التضخم، وبناءً عليه فقد استخدموا تدابير ماليّةً ونقديّةً سويًا لإيجاد حلول للمشكلات الاقتصاديّة المماثلة، ومن خلال ما سيأتي سيتم توضيح أبرز هذه النظريات وما جاء في كلٍ منها:[٢]
أولاً: نظرية قوة السوق
ترتكز هذه النظرية على فكرة أن يقوم بائع أو أكثر من بائع بالاتّفاق على تحديد سعر جديد يختلف عن السعر التنافسيّ المتعارف عليه ليطلق على هذا السعر اسم سعر قوة السوق، وبذلك تحافظ هذه المجموعات أو الأفراد على الأسعار التي يمكن عندها تحقيق أقصى ربح دون القلق على القوة الشرائيّة للمستهلكين، هذا وترتبط هذه النظرية بمفهوم احتكار القلة؛ بحيث يمكن للجهات التي تميل إلى استخدام أساليب احتكار القلة إلى زيادة الأسعار دون الحاجة إلى انتظار الارتفاع على مستوى الطلب، فيحدث هذا الارتفاع أي بالأسعار؛ بسبب الزيادة في الأجور، بينما يتم تعويض هذه الزيادة في الأجور من خلال الزيادة في أسعار المنتجات، ومن خلال هذه النظرية، فقد وجد أنَّه لا يمكن تطبيق السياسات الماليّة والاقتصاديّة في التأثير على خفض معدلات التضخم؛ إلّا أنَّ كلًا من رفع سعر الفائدة وتنظيم تدفق الائتمان قد يكونان حلًا مناسبًا في تخفيض معدلات التضخم الاقتصاديّ.
ثانيًا: نظرية تضخم الطلب والجذب التقليدي
بناءً على هذه النظرية، فإنَّ بعض الاقتصادييّن يَرون أنَّ التضخم موجود حتى في حالة عدم وجود طلب متزايد على المنتجات والخدمات، أو بمصطح آخر في حالة فائض الطلب، ولكنَّ بعض المحللين يربطون الزيادة في معدل الطلب بشكلٍ مباشر مع زيادة التضخم، ففي حالة ازدياد الطلب يصبح التضخم أمرًا لا مفرّ منه، مما يؤدّي إلى إجبار الاقتصاد على توظيف طاقته الإنتاجيّة القصوى، وبناءً على ذلك فإنَّه من الصعب زيادة حجم العرض إلا أنَّ معدل الطلب سيبقى في ازدياد بشكل متسارع، مما يؤدي بدوره إلى حدوث خلل بين العرض والطلب؛ وبالتالي حدوث زيادة في معدلات التضخم الاقتصاديّ.
ثالثًا: النظريات الهيكلية للتضخم
يعتبر بعض الاقتصاديين أنَّ قوّة السوق هي أحد العوامل التي تسبب التضخم إلا أنَّها ليست الوحيدة، حيث ينظر مؤيدو النظريات الهكيليّة إلى أنَّ سبب التضخم هو سوء التوافق الهيكليّ في الحكومات أو الجهات المسؤولة بالإضافة إلى بعض السمات السلبيّة في بيئات الأعمال، ولتوضيح ذلك بشكلٍ أكبر فإنَّ النظريات الهيكليّة تقسم إلى نظريتين فرعيتين، نبينها من خلال ما سيأتي ذكره:
نظرية الترميز
وترتكز هذه النظرية على أنَّ التضخم يحدث بسبب إمَّا زيادة الطلب على المنتجات وإمَّا زيادة معدلات الأجور، لذلك يجب استخدام كل من السياسات النقديّة والماليّة للسيطرة على هذا التضخم.
نظرية عنق الزجاجة
تشير هذه النظرية إلى أنَّ العلاقة المباشرة بين الأجور وأسعار المنتجات هي السبب في حدوث التضخم، بمعنى آخر أنَّه وعند حدوث التضخم ستتسبب هنالك زيادة متزامنة في الأجور والأسعار الخاصة بالمنتجات، كما ركزت هذه النظرية على أنَّ التضخم يحدث بسبب حدوث طفرة في السلع الرأسماليّة وتصاعد الأجور وزيادة أسعار بعض السلع في بعض الصناعات بشكل أكبر مقارنةً بسلع أخرى في صناعات أخرى بحيث يطلق على هذه الصناعات اسم صناعات عنق الزجاجة؛ وتجدر الإشارة إلى أنَّ تركيز الطلب على هذه الصناعات سيساهم في حدوث تضخم اقتصاديّ.
ما هي أسباب حدوث التضخم؟
يؤثر التضخم بشكلٍ مباشر على اقتصاد الدول مما يجعل الحاجة إلى دراسة مسبباته والعمل على حدها ضرورية للغاية، وفي ما يأتي توضيح لأبرز الأسباب التي تؤدي إلى حدوث التضخم في دول العالم:[٣]
تضخم الطلب والجذب
يساهم الطلب في حدوث التضخم، بحيث يحدث التضخم عندما يكون الطلب على سلع معيّنة أو الخدمات أكبر من القدرة الإنتاجية للحكومات أو الشركات القائمة في الدولة بحيث لا تستطيع تلبية الاحتياجات الخاصة بهذا الحجم من الطلب، لذلك فإنَّه عندما يفوق الطلب حجم العرض يشكل ذلك ضغطًا تصاعديًا على الأسعار؛ ممّا سيدفع أسعار السلع إلى الارتفاع والذي سيقود إلى انخفاض نسبة الإنفاق العام للأفراد مسببًا في نهاية المطاف حدوث تضخم اقتصاديّ.
تضخم دفع التكلفة
ويشير مفهوم تضخم دفع التكلفة إلى ارتفاع الأسعار بسبب ارتفاع تكلفة الأجور الخاصة بالإنتاج والعاملين والمواد التي تُصنّع فيها المنتجات، وغالبًا ما يتم تمرير هذه التكاليف إلى المستهلك النهائيّ ليقوم بدفعها عِوضًا عن الجهات المنتجة، والذي يشكل بدوره عائقًا أمام الأفراد في اقتناء وتلبية احتياجاتهم، والذي يعود بنا إلى نفس النقطة والتي تشير إلى أنَّهم قد يقللون من الإنفاق في جهات محددة لتلبية الاحتياجات الأساسيّة فقط لعدم قدرتهم على تلبية كافة متطلباتهم.
زيادة المعروض النقدي
يشير هذا المفهوم إلى المبلغ الماليّ الإجماليّ المتداول في الأسواق الخاصة بالدولة، ويشمل ذلك كل من:
- النقد.
- العملات المعدنية.
- الأرصدة.
- الحسابات المصرفية وما إلى ذلك.
حيث إنَّ زاد عرض النقود بشكل أسرع من معدلات الإنتاج التي تقوم بها منتجات الدولة، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث التضخم؛ فبسبب توفّر الكثير من النقد في الدولة سينعكس ذلك على معدلات الأجور الخاصة بالموظفين مما سيؤدي إلى زيادة قدرتهم على الإنفاق والذي يشكّل دافعًا أساسيًّا لحصول تضخم على حجم الطلب، نظرًا لتواجد السيولة لشراء المنتجات مع محدوديّة الإنتاج المحليّ في نفس الفترة.
تخفيض قيمة العملة
يشير مفهوم التخفيض إلى تقليل قيمة العملة بشكل تنازليّ في سعر الصرف لبلد ما، مما يؤدّي إلى انخفاض قيمة العملة الخاصة بذلك البلد، حيث إنَّ تخفيض قيمة العملة يؤدّي إلى تقليل كلفة صادرات الدولة ممّا سيعمل على تشجيع الدول الأجنبيّة على استيراد المنتجات بسبب قيمتها المخفضّة، وسيشجع ذلك أيضًا سكّان الدولة نفسها على شراء كميات أكبر من المنتجات المحليّة على الأجنبيّة بسبب القيمة المخفضّة، لذلك قد يكون هذا الأمر مجديًا نوعًا ما؛ إلا أنَّه سيؤثر في زيادة فرصة حدوث التضخم الخاص بحجم الطلب على نوع منتج معين.
ارتفاع الأجور
يبدو الأمر مختلطًا فيما يتعلّق بارتفاع الأجور، حيث ترتبط الأجور بالإنتاجيّة حتى تم وصف الأجور على أنَّها تكلفة الإنتاج، بعض الاقتصاديين يرون بأنَّ الارتفاع في الأجور قد يؤدي إلى حدوث تضخم بسبب التكلفة العالية للشركات، في حيث أنَّ البعض الآخر يرى بأنَّ ارتفاع الأجور في جميع القطاعات سيؤدّي إلى زيادة في الطلب؛ مما يكفي إلى تعويض أيّ ارتفاع في الأسعار قد يصحابها، خاصةً إذا كانت الأجور ترتفع بنفس معدل التضخم أو بشكل أسرع.
ما هي آثار التضخم؟
يوجد للتضخم آثارُ عديدة على الكثير من المستويات، والتي يمكن تحديد بعضٍ منها من خلال ما يأتي:[٤]
- إضعاف القوة الشرائيّة للعملة: بسبب ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء الاقتصاد.
- التشجيع على الإنفاق والاستثمار: فنظرًا للخوف من نفاد الشيء، فإنَّ العديد من المستهلكين سيقبلون على الشراء بكميات كبيرة.
- الزيادة في حجم التضخم بشكل تتابعيّ: بسبب زيادة الرغبة في الإنفاق والاستثمار.
- التقليل من النمو الاقتصاديّ: بسبب تتابع المشكلات الاقتصاديّة على شكل نتائج تسبب تضخمًا اقتصاديًا.
كيف يمكن للحكومات تقليل معدلات التضخم؟
يوجد العديد من الطرق التي يمكن من خلالها السيطرة على التضخم، إلا أنَّ بعض هذه الطرق قد يكون له آثار سلبيّة تلحق الضرر باقتصاد الدولة، فمثلًا يمكن أن تسبب السيطرة على التضخم من خال ضبط الأجور والأسعار إلى حدوث ركود اقتصاديّ والتسبب بفقدان عدد كبير من الوظائف، ومن الأمثلة على طرق السيطرة على التضخم الاقتصاديّ ما سيأتي ذكره:[٥]
استخدام السياسة النقدية الانكماشية
بحيث تعد إحدى الطرق الشائعة للسيطرة على التضخم، من خلال تقليل المعروض النقديّ داخل الاقتصاد وذلك عن طريق رفع أسعار الفائدة وتقليل أسعار السندات، ليساعد ذلك على تواجد أموال أقل للإنفاق مما يعني وقف النمو الاقتصاديّ وبالتالي تقليل حدوث فرص التضخم أو معدلاته.
زيادة المتطلبات الاحتياطيّة
ويتمثل ذلك بزيادة المتطلبات الاحتياطيّة الخاصة بالأموال التي يتعيّن على البنوك الاحتفاظ بها لتغطية عمليات السحب، حيث إنَّه كلما قلّت نسبة الأموال المتاحة للبنوك، كلما قلّ إقراضها للمستهلكين أو العملاء، مما يجبر العملاء على الاقتراض بشكلٍ أقل وبالتالي يؤدّي إلى تقليل الإنفاق.
تخفيض المعروض النقديّ
وتتمثّل هذه الطريقة من خلال فرض سياسات تشجيعيّة على تقليل المعروض النقديّ، ومن الأمثلة عليها ما سيتم بيانه في الآتي:
- المطالبة بالديون المستحقة للحكومة.
- زيادة الفائدة المدفوعة على السندات.
حيث ستعمل هاتان السياستان على تقليل الأموال المتداولة بين أيدي الشركات والأفراد إلى جيب الحكومة.
ما هو الفرق بين التضخم والانكماش؟
غالبًا ما تتم المقارنة بين التضخم والانكماش الذي يحدث عندما تزداد القدرة الشرائيّة للعملة بسبب انخفاض الأسعار، بصورة أخرى فإنَّه يظهر كمفهوم عكسيّ للتضخم، ونظرًا لأنَّ الاحتياجات البشريّة لبيئة معيشيّة مريحة تتطلب مجموعةً متنوعةً ومختلفةً من المنتجات والخدمات لذلك فإنَّ من الصعب على الأفراد تجاوز أو تقبّل التغييرات التي تطرأ على أسعار المنتجات مع مرور الوقت إلّا أنَّ الأفراد قد يمكنهم تقبل التغيّر في سعر سلعة أو اثنتين مثلًا.[٦]
المراجع
- ↑ JASON FERNANDO (17/6/2021), "Inflation", investopedia, Retrieved 17/10/2021. Edited.
- ↑ Nitisha, "Top 3 Theories of Inflation (With Diagram)", economics discussion, Retrieved 17/10/2021. Edited.
- ↑ Kevin L. Matthews II (10/9/2021), "What to know about the main causes of inflation", business insider, Retrieved 17/10/2021. Edited.
- ↑ DAVID FLOYD (17/5/2021), "9 Common Effects of Inflation", investopedia, Retrieved 17/10/2021. Edited.
- ↑ LESLIE KRAMER (17/6/2021), "How Do Governments Reduce Inflation", investopedia, Retrieved 17/10/2021. Edited.
- ↑ "inflation", britannica, Retrieved 17/10/2021. Edited.