يشير مصطلح التضخم Inflation إلى انخفاض قيمة العملة النقديّة المحليّة بنفس الوقت الذي ترتفع به الأسعار بشكل مستمرّ وتدريجي على جميع السلع والخدمات، وهنالك الكثير من المخاوف الاقتصاديّة الناجمة عن التضخم ولا سيّما إن استمر لفترة طويلة نسبياً، وذلك بسبب التآكل الذي يحصل على مدّخرات الأفراد عند انخفاض قيمة العملة النقديّة للدولة، فعلى المدى القصير تكون آثاره أخف وطأةً على الاقتصاد، وعلى الرغم من ذلك هنالك نوع من التضخم يطلب تحقيقه للوصول إلى نسبة صحيّة من النمو الاقتصاديّ، وكما أنَّ هنالك آثارًا سلبيّةً للتضخم فهنالك آثار إيجابيّة أيضاً فليست جميع آثار التضخم سلبيّة، وتختلف الآثار بناءً على اختلاف نوع التضخم، وكذلك الأمر بالنسبة للمسببات، فتختلف المسببات التي تؤدي إلى نوع معين من التضخم عن المسببات التي تؤدي إلى نوع آخر،[١] وسيتم مناقشة أبرز وأهم الأسباب التي تؤدي إلى حدوث التضخم أو زيادته.


ما هي أسباب التضخم؟

تختلف أسباب زيادة التضخم تبعاً لنوع التضخم، فهنالك نوعان للتضخم؛ تضخم الجذب والطلب، وتضخم دفع التكلفة، وفيما يأتي تفصيل لكل منهما:


الجذب والطلب Demand-Pull Inflation

ويحدث هذا النوع من التضخم عند توافر الكثير من الأموال النقديّة لدى جمهور المستهلكين أو المستثمرين، بشكل يؤدّي إلى زيادة الرغبة في الإنفاق وشراء المزيد من السلع والخدمات،[٢] وهنالك العديد من أسباب تزايد الدخل والإنفاق كما هو موضح أدناه: [٣]


النمو الاقتصادي

تتزايد ثقة الأفراد في حالات الازدهار، فيكون هنالك الكثير من الوظائف؛ بسبب الأرباح التي تحققها مؤسسات الأعمال والتي تهدف لزيادة الإنتاجيّة، ولذلك يصبح هنالك أمان وظيفيّ أكثر، فيميل الأفراد إلى الإنفاق والاستهلاك، وعلى نقيض ذلك الأمر، ففي حالات التراجع الاقتصادي يكون هنالك أمان وظيفيّ أقل من فترات الازدهار، وترتفع معدلات البطالة، فيصبح الموظف أكثر حرصاً بالإنفاق، وذلك خوفاً من إنهاء عمله وعدم حصوله على وظيفة أخرى، فتقل نسبة الإنفاق، وتتجه هذه الأموال للادّخار لمواجهة المخاطر المستقبليّة.


توقعات المستهلكين

ففي حالات التضخم ترتفع الأسعار بشكل متكرر، وتصبح فكرة شراء السلع والخدمات في هذا الوقت أفضل من الوقت اللاحق قبل حدوث الزيادة الحتميّة في سعرها، فيقوم المستهلكون بزيادة الإنفاق والشراء بكميات أكبر مما يزيد من الطلب بشكل كبير.


التوسع في الائتمان

يؤدّي كل من نمو الثقة لدى الأفراد في الاقتصاد، وانخفاض القوّة الشرائية، أو تقليل القيود الموضوعة من البنوك على منح الائتمان إلى اقتراض الأفراد بشكل كبير يؤدي إلى زيادة في القروض الممنوحة، والذي بدوره سيؤدي إلى النمو في المعروض النقديّ بشكل كبير يجعل الشركات تنظر إلى ذلك بأنَّه زيادة متوقعة في الطلب، فتقوم برفع أسعار منتجاتها وخدماتها، وذلك لأنَّ الزيادة في الطلب تعني أنَّ المستهلكين يتمتعون بقدرة إضافيّة لشراء هذه السلع بأسعار أعلى مما كانت عليه.


زيادة المعروض النقدي

يزداد النمو في المعروض النقديّ بشكل كبير بسبب سياسات البنك المركزيّ التوسعيّة، فيقوم بعمليات الشراء في السوق المفتوح وضخ الأموال في الاقتصاد، إضافةً إلى وجود تسهيلات في منح الائتمان فيصبح لدى الأفراد كميات أكبر من الأموال نتيجة زيادة المعروض النقديّ التي تحفز الطلب بالنهاية.


التحفيزات المالية

وتظهر هذه التحفيزات من خلال السياسات الماليّة التوسعية التي تجريها الحكومات من خلال تخفيض معدلات الضرائب وزيادة الإنفاق الحكوميّ، حيث يقوم التخفيض في معدلات الضرائب على زيادة الأموال لدى المستهلكين وذلك من خلال تقليل الضريبة التي يتم دفعها للحكومة لقاء الحصول على سلعة معينة، فيقوم المستهلكون بشراء سلعة أخرى بمقدار التخفيض الضريبيّ الذي حصل على السلعة الأولى، وكذلك الأمر بالنسبة للإنفاق الذي تجريه الحكومات خاصةً في حالات الإنفاق المباشر على الأفراد كبدلات التعطل ودعم الأسر الفقيرة ورواتب المتقاعدين، فتوفر لهم مزيدًا من الأموال التي يتم إنفاقها في الاقتصاد على شكل استهلاك أو استثمار، وجميع ذلك سيؤدي بالنهاية إلى زيادة الطلب.


دفع التكلفة Cost-Push Inflation

وأمَّا بالنسبة لتضخم دفع التكلفة فينشأ عند انخفاض المعروض من السلع والخدمات بشكل يؤدي إلى حدوث نقص في هذه السلع مقارنةً بالكميات المطلوبة، فيقوم المنتجون بزيادة أسعار هذه السلع والخدمات بسبب زيادة الطلب عليها ومحدوديتها في السوق،[٢] وهنالك العديد من العوامل التي تؤدي إلى الانخفاض في المعروض السلعيّ والخدمات، وفيما يأتي توضيح لأهم هذه العوامل: [٤][٣]


أسعار صرف العملة

ويؤثر عامل سعر الصرف عندما تكون هنالك العديد من الصناعات التي تتطلب الحصول على المواد الأوليّة لإكمال الصناعة من خارج الدولة، فعلى سبيل المثال إذا انخفض سعر صرف الدينار مقابل سعر الليرة التركية مثلاً، فإنَّ تكلفة استيراد السلع سترتفع، وستصبح السلع المراد شراؤها بمقدار معين من الدنانير سابقاً تلزم اليوم المزيد من الدنانير لشراء نفس السلعة بنفس العدد، ويؤدي ذلك إلى حدوث تضخم في أسعار السلع المعدة للاستهلاك، لأنَّ سعر الصرف يزيد من تكلفة السلع المصنعة وبالتأكيد سيزداد سعر هذه السلعة بسبب ارتفاع التكلفة أو بسبب عزوف المصنعين عن شراء المواد الأوليّة التي تدخل في مكونات السلعة، ويؤدي ذلك إلى حصول نقص في عرض هذه السلعة.


ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج

يؤدي ارتفاع أسعار المواد الخام التي تدخل في إنتاج السلع كالبلاستيك أو الصمغ أو الحبر أو الحديد، أو أي مدخل آخر كارتفاع أسعار الكهرباء والوقود والمياه أو أجور العمال أو الإيجارات إلى حدوث زيادة في تكلفة إنتاج السلع، والذي يقودنا إلى زيادة في أسعار هذه السلع بمقدار يتناسب مع الزيادة في التكلفة.


تضخم الأجور

ففي حالات الازدهار الاقتصاديّ يكون هنالك انخفاض كبير في معدلات البطالة إلى جانب وجود أزمة كبيرة لتوظيف الكفاءات، فالجميع لديه وظيفة ويلزم من أجل استقطاب شخص بكفاءة عالية أن ترفع من مقدار الراتب المعروض لتستطيع أن تجذب الموظفين، حيث تعد أجور العمال من مدخلات السلع المصنعة، كما فإنَّ الزيادة في معدلات الأجور ستؤدّي إلى حدوث زيادة في تكلفة السلع المصنعة والذي بدوره سيؤدّي إلى حدوث ارتفاع أسعار هذه السلع.


الكوارث الطبيعية

يؤدي وقوع الكوارث الطبيعيّة كالزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير إلى حدوث ارتفاع مفاجئ في أسعار السلع حيث يميل السعر إلى الانخفاض في هذه الكوارث، ولكن على مدى طويل، وذلك بسبب أنَّ الإعصار إذا قام بتدمير المحاصيل الزراعيّة مثلًا أو تدمير مصنع للملابس أو أيّ سلعة أخرى سيؤدّي إلى إحداث ضرر في هذه السلع انخفاض المعروض السلعيّ بشكل كبير جداً مقارنة بالطلب على هذه السلع.


الاحتكار

ويعد من أهم أسباب انخفاض المعروض السلعيّ، وله العديد من الأنواع، ويحصل الاحتكار عند قيام شركة أو مجموعة شركات بالتحكم بالسوق لسلعة معينة مثلاً، فتعطي الشركة أو الشركات ميزة تحديد سعر السلعة لعدم وجود جهة أخرى تقوم ببيعها، ويعتمد كل ذلك على نوع السلعة، فإذا كانت السلعة ضروريّة، ولا يتوفر لها بديل، فيمكن التحكم بأسعار هذه السلعة، في حين أنَّ السلع الكمالية التي يتوافر لها البدائل يصعب التحكم والتأثير بأسعارها ارتفاعاً.


الضرائب

هنالك العديد من أنواع الضرائب التي تفرضها الحكومة، وتؤثر على أسعار السلع والخدمات كضرائب المبيعات أو الرسوم الجمركيّة وغيرها، وعند قيام الحكومة بفرض ضريبة على سلعة معينة أو زيادة نسبة الضريبة على سلعة معينة؛ فإنَّها بذلك تقوم بزيادة تكلفة السلع المعدة للبيع، فيقوم عادةً التجار والبائعون بتحميل ونقل هذه التكلفة للعملاء عن طريق زيادة أسعار هذه السلع، ويعتمد ذلك على نوع السلعة إذا كانت من السلع الكماليّة، فقد لا يحمل التاجر العملاء هذه التكلفة، لأنَّه وببساطة سيقوم العميل بالعزوف عن شراء هذه السلعة، وعلى العكس عندما تكون السلعة ضروريّة، فسيقوم التاجر بتحميل التكلفة للعميل لعدم وجود بدائل أخرى يستعاض بها.


انخفاض الإنتاجية

يعمل انخفاض الإنتاجيّة على زيادة نسب التضخم، فهي تؤثر مباشرة بالمعروض السلعيّ فعند نقصان الإنتاجيّة ينخفض المعروض السلعيّ فيرتفع السعر لهذه السلع عند نزول العرض إلى نقطة معينة مقابل الطلب على هذه السلعة، وهنالك العديد من الأسباب التي تؤدّي إلى الانخفاض في الإنتاجيّة مثل استياء الموظفين من بيئة العمل، تهالك الآلات والمعدات المستخدمة في الإنتاج، وزيادة عدد الموظفين في الشركات التي تعمل بقطاعات لا تمتاز بوفورات الحجم.


المراجع

  1. John Schmidt (3/5/2021), "How Inflation Erodes The Value Of Your Money", forbes, Retrieved 19/10/2021. Edited.
  2. ^ أ ب Kevin L. Matthews II (10/9/2021), "What to know about the main causes of inflation", businessinsider, Retrieved 19/10/2021. Edited.
  3. ^ أ ب PAUL BOYCE (20/11/2020), "Causes of Inflation", boycewire, Retrieved 19/10/2021. Edited.
  4. Tejvan Pettinger (4/3/2021), "Causes of Inflation", economicshelp, Retrieved 19/10/2021. Edited.