الموازنة: مفهومها، بنودها، أنواعها، أهميتها

تشكل الموازنة العامة الهاجس الأكبر لدى الحكومات، فهي التي تحدد عملها لمدة سنة كاملة بناءً على تصور للإيرادات والنفقات المتوقع تحصيلها وتكبدها خلال هذه السنة، كما وتعتبر جلسات مناقشة الموازنات من أكثر الجلسات مشاهدة ومتابعة من قبل أفراد الدول لمعرفة الوضع الماليّ للدولة، وتوجهات هذه الدولة خلال هذه الفترة سواءً لفرض رسوم وضرائب أو لتقليل النفقات في حالة عجز الموازنة أو لزياة إنفاق وتحسين سبل العيش في حالة وجود فائض في الموازنة،^[١] ولكن ما هي الموازنة؟ وما هي بنودها؟ وما أنواع الموازنة؟ وكيف يتم علاج العجز في الموازنة؟

ما هو مفهوم الموازنة؟ BUDGET

تعرف الموازنة بأنَّها خطة مالية لفترة زمنية محددة توضح أطر لسير العمل خلال هذ المدة من خلال المبالغ المخصصة لهذا العمل، فهي تعتمد على تقديرات ماليّة يتم وضعها من قبل خبراء لتوقع الإيرادات التي سيتم تحصيلها خلال هذه الفترة بالإضافة إلى النفقات المقدر تكبدها خلال نفس الفترة، مما يسمح لأصحاب القرار معرفة ما إذا كانوا سيتمكنون من مواصلة العمل بالمستوى المتوقع لهم مع هذه الإيرادات والمصروفات المتوقعة.^[١]

ولا يقتصر عمل الموازنة على جهة محددة، فيتم إعدادها سواءً للدولة وتسمى بالموازنة العامة أو للشركات والمؤسسات ويتعدّى ذلك لتصل إلى الأفراد، ويتم إعدادها من قبل خبراء في الدولة للموازنة العامة أو خبراء لموازنات المؤسسات والشركات، ويمكن للفرد بشكل بسيط إعدادها لنفسه بناءً على المداخيل المتوقع الحصول عليها وكذلك النفقات المتوقع تكبدها خلال فترة معينة.^[١]

ما هي بنود الموازنة؟

وكما أشرنا في مفهوم الموازنة فإنَّها تتكون بشقيها بشكل عام من الإيرادات والنفقات، وفيما يأتي تفصيل موجز لهذه البنود:^[٢]

الإيرادات

وهي جميع المبالغ المتوقع تحصيلها للحكومة خلال فترة زمنيّة محددة، وتتكون الإيرادات من شقين:

• الإيرادات الضريبية

وتشير إلى المبالغ المتوقع تحصيلها من الضرائب التي تفرضها الحكومة، وتنقسم إلى؛ إيرادات ضريبيّة مباشرة مثل ضريبة الدخل، أو إيرادات ضريبية غير مباشرة مثل ضريبة السلع والخدمات.

• الإيرادات غير الضريبية

وهي جميع المبالغ المتوقع تحصيلها عدا الإيرادات الضريبية، وتقسم إلى:

• الإيرادات التجاريّة: مثل الأرباح المتحققة من بيع السلع التي تنتجها الحكومة، أو الفوائد التي تحصل عليها هذه الحكومة نتيجة لإقراض جهة معينة.
• الإيرادات الإداريّة: مثل الرسوم التي يدفعها الفرد مقابل تلقيه خدمة حكوميّة، ورسوم التراخيص والمنح التي تحصل عليها الدول، إضافة إلى الغرامات التي تفرضها على الأفراد.

النفقات

وهي مصروفات متوقع تكبدها من قِبل الحكومة خلال فترة زمنيّة محددة، وتقسم إلى:

• نفقات التسيير

وهي نفقات يجب دفعها لاستمرار عمل أجهزة الدولة، مثل؛ نفقات الأجور، والمؤن، والمعدات الأساسيّة الواجب استخدامها خلال هذه الفترة.

• نفقات التجهيز أو نفقات الاستثمار

وهي نفقات متعلّقة بتحسين المستوى المعيشيّ ومستوى والدولة، مثل تشييد وبناء البنى التحتيّة للدولة كالطرق والمؤسسات والمطارات، إضافة إلى التسهيلات التي تمنحها الدولة للمستثمرين كتشجيع ودعم لبنية الاستثمار في الدولة.

• نفقات الدين العام

وهي النفقات التي تدفعها الدولة مقابل خدمة الدين التي تحصل عليها من قبل المؤسسات والأفراد والجهات الحكوميّة أو غير الحكوميّة داخليّةً كانت أم خارجيةً ويتم دفعها على شكل فوائد.

ما هي أنواع الموازنة؟

يتم تحديد أنواع الموازنات بناءً على الفرق بين الإيرادات والنفقات، وهنالك ثلاثة أنواع للموازنة:^[٣]

الموازنة المتوازنة BALANCED BUDGET

وتكون الموازنة متوازنةً عندما تتساوى النفقات الحكوميّة المتوقع تكبدها مع الإيرادات الحكوميّة المتوقع تحصيلها في سنة ماليّة معينة، وهو ما يناشد به الاقتصاديون كمبدأ: "العيش في حدود الوسائل"، وتهدف الموازنة المتوازنة إلى موازنة نفقات الحكومة مع العائدات المتوقع تحصيلها بأي طريقة.

الموازنة الفائضة SURPLUS BUDGET

وتعد الموازنة فائضة إذا تجاوزت الإيرادات الحكوميّة المقدّر تحصيلها الإنفاق الحكوميّ المتوقع تكبده في سنة ماليّة معينة، ويشير إلى أنَّ الحكومة تنفق على الرفاهيّة والاستثمار بشكل أقل مما تحققه من إيرادات، وتعد الموازنة الفائضة من دلالات الثراء الماليّ للبلد، ويمكن تنفيذ مثل هذه الميزانية في أوقات التضخم الذي تزداد فيه الأسعار بشكل كبير نتيجةً لتزايد القدرة الشرائيّة للأفراد الناجمة عن المداخيل المتحصلة لهم لتقليل الطلب الكليّ.

الموازنة العاجزة DEFICIT BUDGET

وتعد الموازنة عاجزةً إذا تجاوز الإنفاق الحكوميّ المتوقع تكبده الإيرادات الحكوميّة المقدّر تحصيلها في سنة مالية معينة، وهو النوع المناسب للاقتصادات النامية فهي تساعد في أوقات الركود على توليد طلب إضافي وتعزيز معدل النمو الاقتصاديّ من خلال تكبد الحكومة إنفاقات لتحسين معدل التوظيف وزيادة الدعم على السلع والخدمات لتحفيز الطلب السلع والخدمات مما يساعد في إنعاش الاقتصاد.

ما أهمية عمل الموازنة؟

يشعر الإنسان بأنَّه ضائع وخائف إذا ما كانت لديه مقدرة على تغطية التزاماته المستقبليّة المتوقعة أو حتى غير متوقعة إذا لم يقم بتقدير موازنة يلّخص فيها الإيرادات المتوقع تحصيلها، ومما لا شك فيه أنّ للموازنة أهمية كبيرة منها:^[٤]

• إتاحة التحكم بالنفقات ومتابعتها.
• إعادة ترتيب الأولويات في الإنفاق بشكل يتناسب مع الإيرادات المتوقعة.
• وضع خطط مالية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل يتم فيها اتخاذ قرارات مالية أقرب للصواب من القرارات المتخذة في ظل عدم وجود موازنة.
• الوقاية من الوقوع في الديون.
• إتاحة الاستثمار بالأموال الفائضة.
• تدعيم المركز المالي لمواجهة المخاطر في حالات الطوارئ.

كيف تعالج الحكومة العجز في الموازنة؟

تواجه البلدان حالة الموازنة العاجزة من خلال تنفيذ السياسات الماليّة أو السياسات النقديّة، وفيما يأتي إيجاز لكل منهما:^[٥]

تنفيذ السياسات الماليّة

يختلف تطبيق السياسات الماليّة بين البلدان فمنها من يقوم بتقليص العجز في الموازنة من خلال تقليل الإنفاق الحكوميّ وزيادة الضرائب على السلع والخدمات للحصول على تدفقات نقديّة سريعة خلال هذه الفترة بغض النظر عن الآثار السياسيّة المترتبة على هذه السياسة التي تؤدّي إلى تقليل القدرة الشرائيّة للأفراد وضغط النمو الاقتصاديّ نحو الأسفل ناهيك عن تنفير الاستثمار الذي يؤدّي إلى إنهاء الاستثمارات المتوقع إنشائها وإيقاف أو تجميد وتقليص الاستثمارات في البلد نفسه مما يؤدّي إلى زيادة معدل البطالة ونسب الفقر، فالمستثمرون يسعون إلى إنشاء أو توسيع استثماراتهم في البلدان التي تفرض معدل ضرائب مقبول وأقل من البلدان الأخرى لضمان حصولهم على نسبة أرباح أكبر، وهنالك أيضًا بلدان تقوم بحل هذه المشكلة على المدى البعيد بعكس السياسة الأولى وينجم عن ذلك توسيع الاستثمار وزيادة الحصيلة الضريبيّة الناجمة عن زيادة معدل قدرة الفرد الشرائيّة وارتفاع الأجور وما إلى ذلك.

السياسة النقديّة

تقوم بعض الدول بطباعة المزيد من النقود وإصدار أذونات الخزينة والسندات لتعبئة مواردها، الأمر الذي يساعدها في تقليص فرق العجز في الموازنة بين الإيرادات والنفقات، إلا أنَّه يحتوي على مخاطر كبيرة تقود إلى انخفاض قيمة العملة وزيادة في معدلات التضخم.