ما المقصود بالكساد الكبير؟

يُشير الكساد الكبير Great Depression إلى الركود الاقتصاديّ الكبير الذي حدث في عام 1929م، واستمرّ نحو حوالي العشر سنوات، وهي الفترة التي بدأت فيها الولايات المتحدة الأمريكية بالتجهيز للحرب العالمية الثانية، وقد كان الكساد الأطول والأكثر شدة على الإطلاق في العالم الغربيّ الصناعيّ والاقتصاديّ، ومما زاد حجم هذا التأثير للكساد هو تداعي بعض الظواهر الأخرى كانهيار سوق الأوراق الماليّة والذعر المصرفيّ الذي حدث في تلك الفترة، والذي أدّى إلى حدوث تغييرات جوهرية في بنية واستراتيجيات المؤسسات الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى تأثيره في النظريات الاقتصاديّة وسياسة الاقتصاد الكليّ، وعلى الرغم من أنَّ الكساد الكبير نشأ في الولايات المتحدة الأمريكيّة إلا أنَّه قد تسبب في انخفاض مستويات الإنتاج على مستوى العديد من الدول، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة بنسب واضحة، وانكماش حاد في اقتصاد دول العالم جميعها تقريبًا، هذا وقد رافق الكساد الكبير آثار اجتماعيّة وثقافية ليست أقل أهميّة من الآثار السياسيّة والاقتصاديّة الأخرى، وتمَّ اعتبار الكساد الكبير أكبر محنة قد واجهتها الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الاقتصاديّ منذ الحرب الأهليّة.[١]


متى بدأ الكساد الكبير؟

بدأت حادثة الكساد الكبير بعد انهيار سوق الأسهم والأوراق الماليّة في عام 1929م واستمرت هذه الفترة حتى عام 1939م، حيث قضت هذه الحادثة على الثروة الاسميّة الخاصة بالشركات، بالإضافة إلى التأثير الكبير على اقتصاد الدول، والذي قضى على الأعمال الخاص بملايين المستثمرين، وعلى مدار السنين العديدة تلك انخفض الإنفاق الاستهلاكيّ والاستثماريّ بشكلٍ ملحوظ، والذي تبعه انخفاض حادّ في حجم الإنتاج العالميّ ونسب التوظيف في الشركات، هذا وقد قامت العديد من الشركات بتسريح أعداد كبيرة من الموظفين في فترات قصيرة، فقد أدى ذلك إلى تدهور الاقتصاد الأمريكيّ، والذي انتهى به الأمر إلى الانتقال نحو ما وراء حدود الولايات المتحدة الأمريكية إلى أوروبا، هذا وقد كانت معظم هذه الدول في مرحلة البداية الخاصة بالحرب العالمية الثانية، وقد قدرت نسب الخسارة في ذلك الحين بالملايين، فقد فشلت نصف بنوك الولايات المتحدة، وكان نحو حوالي 15 مليون شخص قد أصبحوا عاطلين عن العمل.[٢][٣]


ما هي أسباب الكساد الكبير؟

يعتبر الكثيرين أنَّ السبب الوحيد للكساد الكبير هو الانهيار الذي حدث في سوق الأسهم، إلا أنَّه توجد العديد من الأسباب الرئيسة التي ساهمت في حدوث الكساد الكبير، وفي ما يأتي بيان لأبرز هذه الأسباب:[٤]


ظهور مصطلح المضاربة في عشرينيات القرن الماضي

نمت الأعمال بشكلٍ واسع في عشرينيات القرن الماضي، حيث نمى الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي قدره 4.7%، وانخفضت معدلات البطالة إلى 3.7% من عام 1920 إلى عام 1929، وتضاعف إجمالي الثروة في الولايات المتحدة الأمريكية، مما أدّى إلى قيام الأفراد بالبدء في توسعة أعمالهم بطريقة كبيرة؛ لكنَّ ذلك لم يدم طويلًا بحيث زادت ديون المستهلكين، وأفرطت الشركات في توسيع نطاقها، وقد أصبحت منخرطة بشكلٍ كبير في سوق الأوراق الماليّة، وقد قامت بعض الشركات بإنشاء ووضع جهات وشركات خاصة للأوراق الماليّة لبيع الأسهم بشكل سريّ، ممّا شكل تضاربًا واضحًا في المصالح، والذي بدأ يؤثر على سوق الأسهم بشكلٍ كبير في نهاية الأمر.


انهيار سوق الأسهم في عام 1929

قام العديد من المستثمرين أصحاب الخبرة بجني الأرباح ومحاولة الحصول عليها، بينما كانت أسعار الأسهم قد بدأت بالتعثر، فتحديدًا في 24 من شهر أكتوبر عام 1929 فتح سوق الأسهم أبوابه بنسبة أقل 11% عن المعتاد كما في اليوم السابق، وكان قد أُطلق عليه يوم الخميس الأسود، واستمرّ الوضع في التدهور كنتيجة لما تمَّ الوصول إليه من خلال المضاربة في سوق الأسهم، مما أدّى إلى خسارة السوق أكثر من 85% من قيمته على مدار الحادثة التي استمرّت حتى عام 1932.


مشكلات زيادة العرض والإنتاج

أدّى الإنتاج الضخم الذي قامت به الشركات قبل الواقعة إلى زيادة الاستهلاك الذي ساهم في الإفراط في الإنتاج من قِبل العديد من الشركات؛ مما سبب في تكدّس البضائع، وبالتالي القيام ببيع البضائع بأسعار أقل مما يعني بيعها بخسارة، وقد حدث ذلك أيضًا في الحرب العالميّة الأولى في قطاع الزراعة، حيث اشترى المزارعون أعدادًا كبيرةً من الآلات لتعزيز الإنتاج، الأمر الذي ساهم في تشكل ديون كبيرة عليهم، وقد أثر ذلك عليهم بشكلٍ سلبيّ بعد الحرب؛ بإنتاج أعداد أكبر من حجم الاستهلاك؛ ممّا أدى إلى انخفاض قيمة المحاصيل الزراعيّة والأراضي.


انخفاض الطلب وارتفاع معدلات البطالة

قامت الشركات مجبرةً بعد تعرّضها إلى النقص الحادّ في السيولة وظهور الاختلاف في حجم العرض والطلب، بالإضافة إلى التغييرات في سلوك العملاء إلى تخفيض نسب الإنتاج؛ بسبب انعكاس هذه الأسباب على كفاءتها الإنتاجيّة، بالإضافة إلى تقليل أعداد الموظفين العاملين لديها، وقامت الشركات التي تعاني من حجم كبير من الديون بإيقاف إنفاقها، مما أدّى إلى تفاقم الأوضاع؛ الأمر الذي تسبب بانهيار شركات أخرى أو تقليص أعمالها، مما يعني أيضًا تسريح العديد من الأشخاص من وظائفهم.


سوء التخطيط من قبل الحكومات

اعتبر بعض الأشخاص أنَّه يمكن إلقاء اللوم على البنوك بسبب إداراتها غير المسؤولة في عشرينيات القرن الماضي، إلا أنَّ العديد من المحللين والمستثمرين والاقتصاديين كانوا يعولون على احتياطات الحكومات والجهات المسؤولة التي لم تكن ستسمح بحدوث أزمة مشابهة، فمثلًا خلال الوضع الصعب الذي مرّت به الدول كان يجب على الحكومات أن تقوم برفع أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد، إلا أنَّها لم تقم بذلك، وعلى العكس منه فبعد انتهاء الواقعة تمَّ رفع أسعار الفائدة عِوضًا عن خفضها، مما وضع اللوم الأكبر على الحكومات وسوء إدارتها للأزمات التي حدثت.


آثار الكساد الكبير

اعتبر الكساد الكبير مشكلةً عالميةً ليست خاصة بدولة واحدة فقط وذلك بسبب الآثار الكبيرة التي تسبب بها على عدّة مستويات مما شكّل تهديدًا على أعمال الناس وحياتهم التي اعتادوا عليها، ومن خلال ما سيأتي سنقوم بتوضيح أبرز الآثار التي تركها الكساد الكبير على مختلف القطاعات والجوانب:[٥]


أثر الكساد الكبير على الاقتصاد

تأثّر الاقتصاد بشكلٍ كبير بسبب هذه الحادثة، وذلك باعتبار الاقتصاد جانبًا من الجوانب التي تتأثر من كافّة الاتجاهات بسرعة أكبر من غيره، ففي حال حدوث أيّ نشاط سياسيّ أو اجتماعيّ يتأثّر الاقتصاد بدايةً مخلّفًا وراءه العديد من المشكلات الأخرى، وقد ظهر تأثّر الاقتصاد جليًّا هنا؛ فخلال الخمس سنوات الأولى فقط انكمش الاقتصاد الخاص بالولايات المتحدة فقط بنسبة 50%، هذا وقد فشل أكثر من 650 بنك على صعيد الدولة نفسها فقط، بالإضافة إلى انخفاض الناتج المحليّ الإجماليّ بشكل كبير.


أثر الكساد الكبير على السياسة

لعب الكساد الكبير دورًا هامًّا في التأثير على ثقة الشعب في حكوماته والسلطة التي تترأس اتخاذ القرارات المتعلّقة بشأنه، وقاموا باتهام الحكومة بعدم قيامها بالإجراءات المناسبة وعدم أخذها الاحتياطات اللازمة لمواجهة الحادثة دون تكبد نفس الحجم من الخسائر التي عاشتها الشعوب، واصفين ذلك بأنَّه نوع من الإهمال والفساد، مما انعكس على الانتخابات التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية وقيام الشعب بالتصويت لفرانكلين روزفلت كونه وعد بإصلاح اقتصاد الدولة وتحسين وضعه.


أثر الكساد الكبير على الحياة الاجتماعية

بناءً على الوضع الاقتصاديّ الذي عانت منه الدول لم يكن للمزارعين القدرة على رعاية أراضيهم الزراعيّة بالشكل السليم، السبب الذي أدّى إلى جفافها وتدميرها، لاعتبار العشر سنوات طويلة جداً على بعض المزارعين فلم يكونوا قادرين على تحمل نفقات تلك الفترة، بسبب انخفاض أسعار المنتجات الزراعيّة، وتدهور أوضاع التجار أيضًا مما انعكس على وضعهم الماديّ ومستوى رفاهيتهم الذي أصبح معدومًا نوعًا ما حينها.


أثر الكساد الكبير على البنوك

رصدت بعض الجهات المختصة أنَّه خلال فترة الكساد الكبير كاملةً فشل ما يقارب 4000 بنك في الولايات المتحدة، ونتيجةً لذلك فقد المودعون ما يقارب 140 مليار دولار، حيث قامت البنوك في استثمار أموال الأفراد في سوق الأوراق الماليّة؛ الأمر الذي استدعى هؤلاء المودعين إلى الإسراع لسحب نقودهم من البنوك، والذي ساهم في توقف العديد من البنوك عن العمل.


أثر الكساد الكبير على التجارة

أثّر تدهور اقتصادات البلدان بشكلٍ كبير على الحواجز التجاريّة التي قد فرضت بينهم، بحيث تعد هذه الحواجز أحد جدران الدفاع التي تمكّن الدول من حماية اقتصادها وإنتاجها من الانتهاك أو التعرّض لما تتعرّض له الدول الأخرى المجاورة في حال حدوث أمر مشابه، هذا وقد تمَّ فرض هذه الحواجز عند حدوث الكساد الكبير بهدف حماية الصناعات المحليّة في كل دولة منها، مما أدّى إلى خلق تكتلات تجاريّة قائمة على أساس الاتّفاقيات والتحالفات الوطنيّة وما إلى ذلك، بالإضافة إلى انخفاض نسبة التجارة العالميّة، الأمر الذي جعل فترة التشافي من هذا الحدث طويلة نوعًا ما.


ما الذي أنهى أزمة الكساد الكبير؟

لام العديد من الأشخاص والجهات الحكومات بأنَّها السبب في التداعيات التي حصلت على إثر الكساد الكبير، نظرً لأنَّها لم تأخذ الاحتياطات الصحيحة ولم تقم بالإجراءات الاقتصاديّة الصحيحة في الوقت المناسب، لذلك وعند موعد الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكيّة كان أحد المرشحين هو فرانكلين روزفلت الذي وعد الجميع بإنشاء برامج حكوميّة استراتيجيّة لإنهاء الكساد الكبير في غضون 100 يوم؛ السبب الذي دفع الأغلبيّة بالتصويت له طلبًا لإنهاء معاناتهم وآملين لعودتهم إلى حياتهم الطبيعية قبل حدوث ذلك، لذلك وبعد نجاحه قام بتوقيع اتّفاقيات جديدة لتصبح قانونًا في الدولة، بالإضافة إلى إنشاء 42 وكالة طويلة الأمد تسعى إلى حماية الاقتصاد ومنع حدوث أيّ كساد أو ظواهر اقتصاديّة ضخمة كما حدث في الكساد الكبير، هذا وتشمل هذه البرامج في الصفقات الجديدة حلولًا لمشكلات الأوراق الماليّة والبورصة من خلال تكوين لجنات خاصة بذلك، بالإضافة إلى متابعة أمور الضمان الاجتماعيّ والتأمين على الودائع وما إلى ذلك، إلى أنَّ البعض يشير بأنَّ الحرب العالميّة الثانية هي من كان السبب في إنهاء الكساد العالميّ وليست الحكومات الجديدة.[٦]


المراجع

  1. Richard H. Pells (11/10/2021), "Great Depression", britannica, Retrieved 16/10/2021. Edited.
  2. GORDON SCOTT (23/4/2021), "What Was the Great Depression", investopedia, Retrieved 17/10/2021. Edited.
  3. "Great Depression History", history, Retrieved 17/10/2021. Edited.
  4. Anne Field (24/9/2020), " The main causes of the Great Depression, and how the road to recovery transformed the US economy", business insider, Retrieved 17/10/2021. Edited.
  5. KIMBERLY AMADEO (29/3/2021), "Great Depression", the balance, Retrieved 17/10/2021. Edited.
  6. KIMBERLY AMADEO (27/5/2020), "The Great Depression, What Happened, What Caused It, How It Ended", the balance, Retrieved 17/10/2021. Edited.