يواجه الاقتصاد العالميّ تقلّبات بشكل دوريّ، فتراهُ في حالة ازدهار في أوقات معيّنة أو لسنوات معيّنة فتقل في ذلك الوقت نسب البطالة وتزداد الأجور وتتحسّن معيشة الأفراد في البلد، ويبدأ بعدها تدريجياً بالانخفاض وحتى الوصول إلى مستويات متدنية من النمو والازدهار، فيصبح هنالك المزيد من حالات البطالة والكثير من المشكلات الاقتصاديّة وزيادة نسب الفقر وما يترتب عليه من مشكلات اجتماعيّة، وتقوم الحكومات والقطاعات الخاصة في كل وقت باستخدام أدوات معيّنة للتخفيف من وطأته على اقتصاد الدولة ولتقليل الخسائر لأقصى درجة ممكنة،[١] وتسمى هذه التقلّبات بالدورة الاقتصاديّة، ويعد حدوثها أمر حتمي ويستدلّ على حدوثها بعدد من الخصائص، كما أنَّها تقاس بعدد من المقاييس، وبالتأكيد فإنَّ لها أهميةً إضافةً إلى مرورها بمراحل، والذي سيطرحه هذا المقال.


ما هي الدورة الاقتصادية؟

يشير مصطلح الدورة الاقتصاديّة Economic cycle أو كما يسمى بدورة الأعمال أو دورة التجارة أو دورة الازدهار والكساد إلى التقلّبات على مستوى الاقتصاد في الإنتاج والتجارة والنشاط الاقتصاديّ جنباً إلى جنب مع الصعود والهبوط الذي سيحدث في الناتج المحليّ الإجماليّ حول النمو الاقتصاديّ الطبيعيّ طويل الأجل، وتشير هذه الدورة إلى سلسلة من المراحل في الاقتصاد مثل التوسّعات والانكماشات في مستوى الأنشطة الاقتصاديّة التي يمر بها الاقتصاد بمرور الوقت، وتعد الدورة الاقتصاديّة أداةً مفيدةً جداً لتحليل الاقتصاد، كما يمكن أن تساعد أيضًا في اتخاذ قرارات ماليّة أفضل على مستوى الأفراد والشركات والحكومات.[٢]


ما هي مراحل الدورة الاقتصادية؟

يتصف الاقتصاد بالتقلّب، فهو لا يكون ثابتاً على حالة معيّنة، ويمكن التفكير به كحالات المد والجزر في البحر، وتوضح الدورة الاقتصاديّة كيف يتقلّب الاقتصاد الكليّ للدولة مع مرور الوقت، حيث يتم تقييد جميع الدورات الاقتصاديّة بفترة مستدامة من النمو الاقتصاديّ، ومن ثمَّ تليها فترة مستمرّة من التدهور الاقتصاديّ، وتمرّ الدورة الاقتصاديّة بمراحل عدة، وهي: التوسّع، والذروة، والانكماش، والقاع، ويتميز التوسّع بزيادة العمالة والنمو الاقتصاديّ والارتفاع التصاعديّ على أسعار السلع والخدمات، وأمّا الذروة فهي تعد أعلى نقطة في الدورة الاقتصاديّة، وذلك عندما ينتج الاقتصاد أقصى إنتاج ممكن؛ وفي هذه المرحلة يكون التوظيف عند أعلى مستوى من مستويات العمالة الكاملة، وبالطبع تكون هنالك ضغوطات تضخميّة واضحة على الأسعار، وأما ما بعد الذروة، فيدخل الاقتصاد في مرحلة تصحيح تسمى بالانكماش، وتتصف هذه المرحلة بتباطؤ النمو الاقتصاديّ، فتتراجع مستويات العمالة أي تزيد نسب البطالة، وعندما يتوقف التباطؤ، فإنَّ الاقتصاد يدخل بالمرحلة الرابعة وهي مرحلة القاع؛ حيث يكون عند هذه النقطة قد وصل الاقتصاد إلى القاع الذي ستخرج منه المرحلة التالية من التوسّع والانكماش، وسيتم توضيح كل مرحلة من هذه المراحل على النحو الآتي:[٢]


أولًا: التوسع

وهي المرحلة المحببة للاقتصاد وغايته المرغوبة وتسمى فترة الصعود، بحيث تقوم الشركات ومؤسسات الأعمال في هذه المرحلة بزيادة إنتاجيتها للحصول على الأرباح بشكل كبير، وتكون نسب البطالة منخفضة، وتعمل أسواق المال بشكل إيجابيّ وتكون صاعدةً، ويوصف الاستهلاك والاستثمار في هذه المرحلة بالجيّد، ويؤدي ذلك كله إلى زيادة في الطلب الذي يصب في النهاية إلى زيادة في مستويات الأسعار أيضاً، وهنالك ملامح تميّز هذه المرحلة أيضاً يمكن قياسها، فيكون الناتج المحلي الإجمالي في نطاق ال2 إلى 3 بالمئة، ويكون التضخم عند النقطة 2 بالمئة، وتتراوح معدلات البطالة بين ال3.5 وال 4.5 بالمئة.[١]


ثانيًا: الذروة

وبمجرد أن تبدأ هذه الأرقام الاقتصاديّة في الزيادة خارج نطاقاتها العادية والمألوفة، فعندئذ يكون الاقتصاد قد وصل إلى مرحلة التشبع وهي المرحلة الثانية من مراحل الدورة الاقتصاديّة، ويُنظر إلى الاقتصاد بنظرات خوف لكونه ينمو خارج نطاق السيطرة، ففيه تتوسع الشركات بشكل متهور، ويشعر المستثمرون فيه بالثقة الزائدة بحيث تترجم هذه الثقة في شراء الأصول وزيادة أسعار هذه الأصول بشكل كبير، ويصبح كل شيء مرتفع الثمن بشكل جنوني، ويكون كل من الإنتاج والأسعار قد وصلا إلى الحد الأقصى، وبعد ذلك الأمر فإنَّ المؤشرات الاقتصاديّة لن تستطيع النمو أكثر وهي في أعلى مستوياتها، فيبدأ الانعكاس بعد ذلك في اتجاه النمو الاقتصاديّ، ويقوم المستهلكون والمستثمرون على عمل هيكلة لميزانياتهم للدخول في مرحلة الانكماش.[١]


ثالثًا: الانكماش

وهي المرحلة التي تلي مرحلة الذروة، ويطلق عليها مرحلة الركود أيضاً، فعندما يبدأ ​​الناتج المحليّ الإجماليّ بالانخفاض لربعين متتاليين، بحيث تكون معدلات النمو فيه لا تتجاوز ال2 بالمئة، فغالبًا ما يتم اعتبار الاقتصاد في حالة ركود، وتمتد مرحلة الانكماش على طول الفترة الزمنيّة من الذروة إلى القاع، وتوصف بأنَّها الفترة التي يكون فيها النشاط الاقتصاديّ في طريقه إلى التراجع، ففيها يبدأ الانخفاض في الطلب على السلع والخدمات بشكل متزايد، بحيث لا يمكن للمنتجين ملاحظة هذا الانخفاض، فيستمرون في إنتاج كميات كبيرة كالتي كانت تنتج في مرحلة الذروة أو القمة، فيخلق ذلك حالةً من فائض العرض في هذه السلع والخدمات وتميل الأسعار إلى الانخفاض، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جميع المؤشرات الاقتصاديّة الإيجابيّة مثل الدخل والإنتاج والأجور وما إلى ذلك، كما تبدأ معدلات البطالة بالزيادة، ويستمرّ انخفاض النمو الاقتصاديّ، وتتجه إلى المرحلة التالي عندما تكون معدلات النمو أقل من معدلاتها الطبيعيّة، وتبقى لفترة طويلة.[١]


رابعًا: القاع

وهي مرحلة يكون فيها معدل نمو الاقتصاد سالبًا، ويستمرّ فيها المزيد من الانخفاض، حتى تنكمش أسعار السلع والخدمات إلى مستويات متدنية جداً بحيث لا يمكن نزولها إلى أكثر من ذلك، إضافةً إلى استمرار انخفاض الطلب وزيادة العرض للسلع والخدمات، فيصل الاقتصاد في النهاية إلى أدنى نقطة له وتكون نهاية الحضيض، وتعتبر بأنَّها نقطة التشبع السلبيّة للاقتصاد، ويستنزف فيها الخل القوميّ بشكل كبير، وبعد ذلك الأمر وعند استقرار الاقتصاد على هذه الحالة لفترة من الزمن تبدأ دورة الأعمال من جديد، وتبدأ مرحلة الانكماش بالتقلّص.[١]


ما هي خصائص الدورة الاقتصادية؟

تتعدد خصائص وميّزات الدورة الاقتصاديّة، منها:[٣]

  • تحدث دورة الاقتصاد بشكل دوري وبشكل منتظم، ممّا يعني أنَّ الازدهار والثبوط في الاقتصاد سيحدثان بشكل متناوب، ومع ذلك فلا يوجد شرط يقول بأنَّهما يحدثان بشكل متسق في الحجم والمدى، ويعد الهيكل العام للدورة الاقتصاديّة في كل دورة متشابه إلى حد ما.
  • يكون التأثير في الدورة الاقتصادية في حالة الازدهار أو الثبوط والتراجع الاقتصاديّ على جميع الصناعات في الاقتصاد بأكمله، ويؤثر أيضًا على اقتصادات البلدان الأخرى في حالات معينة، ويعد طابعًا دوليًّا مثل حالة الكساد الكبير عام 1929.
  • هنالك نمط محدد من الحركات للدورة الاقتصاديّة تشبه حركة الموجة، فعندما يكون هنالك ارتفاع في الأسعار وزيادة في الإنتاج والتوظيف والازدهار تعد هذه صفات يستدل بها على وجد الحركة الصعوديّة، وبالعكس تماماً عند حدوث هبوط في الأسعار، ستصبح البطالة من معالم الحركة الهبوطيّة.
  • لا تتأثر جميع الصناعات بشكل واحد، فقد يصاب البعض بشدة أثناء التراجع الاقتصاديّ، بينما لا يتأثر البعض الآخر بشكل كبير، كما قد تتقلّب صناعات السلع الاستثماريّة أكثر من صناعات السلع الاستهلاكيّة، وحتى في صناعات السلع الاستهلاكيّة قد يكون هنالك تقلّبات، ففي الصناعات الاستهلاكيّة المعمّرة طويلة العمر قد تشهد عمومًا تقلّبات أكبر من القطاعات التي تنتج سلعًا غير معمّرة وقصيرة العمر.


كيف يتم قياس الدورات الاقتصادية؟

تقاس الدورات الاقتصاديّة عن طريق الرسم البيانيّ بحيث يتم فيه رسم منحنيات بشكل موجيّ لها قمم وقيعان، ويتم تحديد المرحلة الحاليّة في الدورة الاقتصاديّة عبر عدد من العوامل أشهرها عمق القاع والذي يحدد من خلال الانخفاض الحاصل في العناصر الرئيسة للاقتصاد كالعمالة والإنتاج والمبيعات من الذروة إلى القاع، والعامل الثاني هو الانتشار والمدة التي شكّلت هذا المنحنى، ويعتمد الخبراء في هذا المجال على تحديد قوة الركود أو التضخم من خلال العوامل السابقة، ويتم تحديد مدة هذه الدورة وتواريخ بدئها وانتهائها من خلال الرسم البيانيّ أيضًا.[٤]


ما أهمية الدورة الاقتصادية؟

هنالك العديد من الصفات التي تميّز كل مرحلة من مراحل الدورة الاقتصاديّة، ويستدلّ عليها بأرقام ونسب معيّنة كالنمو والبطالة والمديونيّة ونسب الإنتاجيّة وغيرها، ويساعد فهم الدورة الاقتصاديّة ومعرفة كل مرحلة من مراحلها الشركات والمؤسسات والحكومات على اتخاذ القرارات الواضحة والمناسبة التي تناسب الحالة الاقتصاديّة للبقاء ضمن معدلات النمو الطبيعيّ ومنع ارتفاعه أو انخفاضه بشكل مهلك للاقتصاد، فمن هذه المراحل يتم استقاء الخطط التي تواجه بها المؤسسات هذه المعضلات الاقتصاديّة.[٥]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج Ali Hussain, Stephanie Ashe (27/8/2020), "Business cycles chart the ups and downs of an economy, and understanding them can lead to better financial decisions", businessinsider, Retrieved 15/10/2021. Edited.
  2. ^ أ ب "Reading: The Business Cycle: Definition and Phases", courses.lumenlearning, Retrieved 15/10/2021. Edited.
  3. "What are the Characteristics of Business Cycle?", accountlearning, Retrieved 15/10/2021. Edited.
  4. LAKSHMAN ACHUTHAN (21/10/2020), "Business Cycle", investopedia, Retrieved 25/11/2021. Edited.
  5. "Business cycles", teara, Retrieved 15/10/2021. Edited.